قال الإِمَامُ الْبُخَارِىُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :الرَّبَانِيُّونَ قِيلَ
هُمُ الَّذِينَ يُرَبُّونَ النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ ثُمَ
بِكِبَارِهِ.إهـ.
يَعْنِى أَوَّلاً لاَ يُوَسّـِعُونَ كَثِيراً
حَتَّى يَرْسَخَ الْعِلْمُ فِى قَلْبِ الطَّالِبِ ثُمَّ شَيْئاً فَشَيْئاً
يَزِيدُونَ لِلطَّالِبِ بِحَسَبِ مَا يَرَونَ مِنْ قَابِلِيَّتـِهِ
وَاهْتِمَامِهِ.
وَلِيُعْلَمْ أَنَّ طَلَبَ العِلْمِ فِيهِ ثَوَابٌ
عَظِيمٌ، يَكْفِى فِى ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ
وسلّمَ:"مَنْ خَرَجَ فِى طَلَبِ العِلْمِ فَهُوَ فِى سَبِيْلِ اللهِ حَتَّى
يَرْجِعَ"، رَوَاهُ التّرْمذِىُّ.
يَعْنِى يَكُونُ ثوابه مِثلُ
ثَوَابِ المُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللهِ. وَالْمُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللهِ
مَعْلُومٌ ثَوَابُهُ، فِى الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ
أُعِدَّتْ لِلْمُجَاهِدِينَ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ وَالدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
فَالَّذِى
يَخْرُجُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ يَكُونُ ثَوابُهُ مِثْلَ ثَوَابِ
المُجَاهِدِينَ، لِذَلِكَ قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِىُّ رَضِىَ اللهُ
عَنْهُ: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ النَّافِلَةِ.إهـ.رَوَاهُ
الخَطِيبُ فِى الفَقِيهِ وَالْمُتَفَقّـِهِ.
ذَلِكَ أَنَّ
عِلْمَ الدِّينِ هُوَ السّـِلاَحُ الَّذِى يُدَافِعُ بِهِ الْمُؤْمِنُ
شَيَاطِينَ الجِنِّ وَشَيَاطِينَ الإِنْسِ وَيُدَافِعُ بِهِ هَوَاهُ.
يَسَّرَ اللهُ لَنَا جَمِيعاً الانْتِفَاعَ بِذَلِكَ
مقدمة
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَــْنِ الرَّحِيمِ.
الشَّرْحُ:
أىْ أَبْدَأُ بِسْمِ اللهِ أَوِ ابْتِدَائِى بِسْمِ اللهِ. وَلَفْظُ
الْجَلاَلَةِ اللهُ عَلَمٌ لِلذِّاتِ الْمُقَدَّسِ الْمَوْصُوفِ
بِالإِلَـْهِيَةِ وَهِىَ الْقُدْرَةُ عَلَى خَلْقِ الأَعْيَانِ.
والرَّحْمَــْنِ أى الَّذِى يَرْحَمُ المُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فِى الدُّنْيَا وَالْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً فِى الآخِرَةِ.
وَالرَّحِيمِ أَىِّ الَّذِى يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ فِى الآخِرَةِ.
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
الشَّرْحُ:
أَنَّهُ ابْتَدَأَ بِحَمْدِ اللهِ تَعَالَى بَعْدَ البَسْمَلَةِ عَمَلاً
بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ :"كُلُّ أَمْرٍ ذِى بَالٍ
لاَ يُبْدَأُ بِحَمْدِ اللهِ فَهُوَ أَقْطَعُ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
أَىْ
كُلُّ أَمْرٍ لَهُ شَرَفٌ شَرْعاً لاَ يُبْدَأُ بِالْحَمْدِ فَهُوَ
أَقْطَعُ أَىْ نَاقِصٌ، وَالْمَعْنَى حَمْدُ اللهِ عَلَى نِعَمِهِ
الْكَثِيرةِ الَّتِى لاَ نُحْصِيهَا.
وَرَبِّ الْعَالَمِينَ أَىْ مَالِكُهُمُ الْحَقِيقِىُّ.
وَالْعَالَمُونَ
هُمُ الإِنْسُ وَالْجِنُّ كَمَا فَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاس، وَإِنْ
كَانَتْ أَيْضاً تَأْتِى بِمَعْنَى جَمْعِ عَالَمٍ وَهُوَ كُلُّ مَا سِوَى
اللهِ تَعَالَى.
قَالَ المُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: الْحَىِّ.
الشَّرْحُ:أَنَّ
اللهَ تَعَالى مَوْصُوفٌ بِحَيَاةٍ أَزَلِيَّةٍ أَبَدِيَّةٍ لاَ تُشْبِهُ
حيَاتَنَا، لَيْسَتْ بِاجْتِمَاعِ رُوحٍ وَلَحْمٍ وَعَظْمٍ.
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: الْقَيُّومِ.
الشَّرْحُ:
أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، مُسْتَغْنٍ عَنْ
غَيْرِهِ، مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ كُلُّ مَنْ عَدَاه. وَقِيلَ مَعْنَى
الْقَيُّومِ الدَّائِمُ الَّذِى لاَ يَزُولُ.
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: المُدَبّـِرِ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقِينَ.
الشَّرْحُ:
أَنَّ التَّدْبِيرَ الشَّامِلَ لِكُلِّ شَىءٍ إِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ للهِ
عَزَّ وَجَلَّ. فَإِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِى يَجْعَلُ كُلَّ شَىءٍ عَلَى مَا
هُوَ عَلَيْهِ. وَلِغَيْرِ اللهِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ تَدْبِيرٌ لاَئِقٌ
بِهِمْ كَالْمَلاَئِكَةِ، فَإِنَّ اللهَ ذَكَرَهُمْ فِى الْقُرْءَانِ
بِقَوْلِهِ {فَالمُدَبّـِرَاتِ أَمْراً} وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَلاَئِكَةُ،
لَكِنْ تَدْبِيرُ اللهِ شَامِلٌ، أَمَّا الْمَلاَئِكَةُ فَتَدْبِيرُهُمْ
مُخْتَصٌّ بِبَعْضِ الأُمُورِ، وَتَدْبِيرُهُمْ لاَ يُشْبِهُ تَدْبِيرَ
اللهِ.
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: وَبَعْدُ فَهَذَا
مُخْتَصَرٌ جَامِعٌ لأَغْلَبِ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِى لاَ يَجُوزُ
لِكُلِّ مُكَلَّفٍ جَهْلُهُا مِنَ الاعْتِقَادِ وَمَسَائِلَ فِقْهِيَةٍ
مِنَ الطَّهَارَةِ إِلَى الحَجِّ وَشَىْءٍ مِنْ أَحْكَامِ المُعَامَلاتِ
عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِىِّ، ثُمَّ بَيَانِ مَعَاصِى الْقَلْبِ
وَالْجَوَارِحِ كَالْلّـِسَانِ وغَيْرِهِ. [كَمَا ذُكِرَ فِى الْكِتَابِ
التَوْبَةُ وبَيَانُهَا].
الشَّرْحُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِ
مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ هَذِهِ الضَّرُورِيَّاتِ. لَكِنْ مَنْ
لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ
التَّفَاصِيلَ الْمُتَعَلّـِقَةَ بِذَلِكَ وُجُوباً عَيْنِيًّا، وَكَذَلِكَ
غَيْرُ الْقَادِرِ عَلَى الْحَجِّ الَّذِى لاَ يُرِيدُ الْحَجَّ،
وَكَذَلِكَ الْمُعَامَلاتُ الَّتِى لاَ يَحْتَاجُ الشَّخْصُ إِلى
الدُّخُولِ فِيهَا.
وَبِالإِجْمَالِ فَمَنْ تَعَلَّمَ وَفَهِمَ
مَسَائِلَ هَذَا الْكِتَابِ فَهْماً صَحِيحاً فَإِنَّهُ يَصِيرُ مِنْ
أَهْلِ التَمْيِيزِ، أَىْ يُمَيّـِزُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ
وَالحَسَنِ وَالقَبِيحِ. وَأَكْرِمْ بِهَا مِنْ نِعْمَةٍ.
الشَّرْحُ:
أَنَّ هَذَا شَأْنُ الاخْتِصَارِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ.
الْعُلَمَاءُ لَمَّا يَقُولُونَ اخْتَصَرَ كِتَاباً لَيْسَ شَرْطاً
عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَمْ يَزِدْ شَيْئاً وَلاَ غَيَّرَ
شَيْئاً بِالْمَرَّةِ، لَيْسَ هَذَا مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ. لِذَلِكَ رأى
الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ حَذْفَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّصَوُّفِ،
وَهَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ ذَمِّ تَصَوّفِ الصّـِدْقِ، إِنَّما لأَنَّ
أَصْلَ مَوضُوعِ الْكِتَابِ الْفَرْضُ العَينِىُّ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ.
وَلِذَلِكَ
أَيْضاً حَذَفَ الْمُؤَلّـِفُ بَعْضَ الأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ وَجَعَلَ
مَكَانَهَا أَقْوَالاً أَقْوَى رَجَّحَهَا عُلَمَاءُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَمِمَّنِ اسْتَنَدَ إِلَيْهِمْ فِى هَذَا التَّرْجِيحِ البُلْقِينِىُّ،
وَالْمُرَادُ بِهِ سِرَاجُ الدِّينِ عُمَرُ البُلْقِينِىُّ لا أَىٌّ مِنْ
وَلَدَيْهِ. بَلَغَ فِى الفِقْهِ
والأُصُولِ وَالْحَدِيثِ
وَالْلُّغَةِ وَالتَّفْسِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ شَأْنًا
عَالِيًا جِدًّا، حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ بَلَغَ رُتْبَةَ الاجْتِهَادِ.
عَاشَ فِى مِصْرَ مُنْذُ نَحْوِ سَبعِمِائَةِ سَنَةٍ.
قَالَ
الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: فَيَنْبَغِى عِنَايَتُهُ بِهِ لِيُقْبَلَ
عَمَلُهُ. أَسْمَيْنَاهُ مُخْتَصَرَ عَبْدِ اللهِ الهَرَرِىِّ الكَافِلَ
بِعِلْمِ الدِّينِ الضَّرُورِىِّ.
الشَّرْحُ: أَنَّ هُنَاكَ قَدْراً
مِنْ عِلْمِ الدِّينِ يَجِبُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
مُكَلَّفٍ. كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ : "طَلَبُ
الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ". أَىْ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ
مُسْلِمٍ ذَكَراً كَانَ أَوْ أُنْثَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ
الْبَيْهَقِىُّ، وَقَوَّاهُ الْحَافِظُ المِـّزِىّ فَقَالَ إِسْنَادُهُ
حَسَنٌ. إهـ.
فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمُخْتَصَرُ حَاوِياً
لِلضَّرُورِىِّ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ كَانَ يَنْبَغِى عَلَى الْمُكَلَّفِ
أَنْ يَعْتَنِىَ بِهِ، لأَنَّ الْذِى يَدُلُّكَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّحِيحِ
إِنَّمَا هُوَ الْعِلْمُ.
لِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ
الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: "إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا
لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ" أَىْ أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ
لَمَّا تَرَى إِنْسَانًا يَطْلُبُ عِلْمَ الدِّينِ تَتَوَاضَعُ لَهُ،
فَتُحَرِّكُ أَجْنِحَتَهَا بِطَرِيقَةٍ فِيهَا إِظْهَارُ التَّوَاضُعِ
لِطَالِبِ الْعِلْمِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
يتبع ان شاء الله
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ:
ضَـرُورِيَّـاتُ الاعْـتِـقَـادِ
فَـصْـلٌ
يَجِبُ
عَلَى كَافَّةِ الْمُكَلَّفِينَ الدُّخُولُ فِى دِينِ الإِسْلاِمِ
والثُّبُوتُ فِيهِ عَلَى الدَّوَامِ وَالْتِزَامُ مَا لَزِمَ عَلَيهِ مِنَ
الأَحْكَامِ.
الشَّرْحُ:أَنَّ الْمُكَلَّفَ الَّذِى هُوَ غَيْرُ مُسْلِمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ فَوراً الدُّخُولُ فِى الإِسْلاَمِ.
وَالْمُكَلَّفُ هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الَّذِى بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ الإِسْلاَمِ.
والْبُلُوغُ
لِلذَّكَرِ يَكُونُ بِأَحَدِ أَمْرَينِ: رُؤْيَةِ الْمَنِىِّ أَو بُلُوغِ
سِنِّ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ قَمَرِيَّةً، وَالأُنْثى بِأَحَدِ ثَلاَثَةِ
أُمُورٍ: رُؤْيَةِ الْمَنِىِّ أَوْ بُلُوغِ سِنِّ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ
قَمَرِيَّةً أَوْ رُؤْيَةِ دَمِ الْحَيْضِ. أَمَّا الْعَاقِلُ فَمَعْنَاهُ
غَيْرُ الْمَجْنُونِ.
وَالَّذِى بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ الإِسْلاَمِ هُوَ
الَّذِى بَلَغَهُ أَصْلُ الدَّعْوَةِ أَىِ الشَّهَادَتَانِ، وَلَيْسَ
شَرْطاً أَنْ تَبْلُغَهُ التَّفَاصِيلُ وَالأَدِلَّةُ. إِنَّمَا إِذَا
كَانَ الشَّخْصُ بَالِغاً عَاقِلاً وَبَلَغَتْهُ دَعْوَةُ الإِسْلاَمِ
فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِى هَذَا الدِّينِ فَوراً. فَإِنْ لَمْ
يَفْعَلْ وَمَاتَ عَلَى الْكُفْرِ اسْتَحَقَّ الْخُلُودَ الأَبَدِىَّ فِى
نَارِ جَهَنَّمَ.
أَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ لَوْ كَانَ
بَالِغاً عَاقِلاً فَإِنَّهُ فِى الآخِرةِ لاَ مَسْئُولِيَّةَ عَلَيْهِ
أَىْ لاَ يُعَذَّبُ بِالنَّارِ لأَنَّ رَبَّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى
قَالَ:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}. كَذَلِكَ
الَّذِى مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ هُوَ فِى الآخِرَةِ نَاجٍ وَلَوْ كَانَ
يَعْبُدُ الْحَجَرَ. وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ الَّذِى عَاشَ حَيَاتَهُ
كُلَّهَا عَلَى الْجُنُونِ، يَعْنِى قَبْلَ الْبُلُوغِ جُنَّ ثُمَّ
اسْتَمَرَّ عَلَى الْجُنُونِ بَعْدَ الْبُلُوغِ إِلَى أَنْ مَاتَ.
وَالدُّخُولُ
فِى الإِسْلاَمِ سَهْلٌ، يَكْفِى الاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ بِمَعْنَى
الشَّهَادَتَيْنِ مَعَ النُّطْقِ بِاللِسَانِ بِهِمَا بِالْعَرَبِيَّةِ
أَوْ غَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ. يَقُولُ أَشْهَدُ
أَنْ لاَ إِلَــْــهَ إِلاَّ اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ
اللهِ أَوْ مَا يُعْطِى مَعْنَى ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ
وَلَمْ يَنْطِقْ بِلِسَانِهِ فَلاَ يَصِيرُ مُسْلِماً.
وَيَجِبُ عَلَى
الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ أَدَاءُ جَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابُ
جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
الْمُؤَلّـِفِ"وَالْتِزَامُ مَا لَزِمَ عَلَيْهِ مِنَ الأَحْكَامِ".
قَالَ
الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: فَمِمَّا يَجِبُ عِلْمُهُ وَاعْتِقَادُهُ
مُطْلَقاً وَالنُّطْقُ بِهِ فِى الْحَالِ إِنْ كَانَ كَافِراً وَإِلاَّ
فَفِى الصَّلاَةِ الشَّهَادَتَانِ، وَهُمَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَــْــهَ
إِلاَّ اللهُ وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ.
الشَّرْحُ:
أَنَّ هَذَا مَرَّ شَرْحُهُ، إِلاَّ أَنَّهُ يَجِبُ فِى كُلِّ صَلاَةٍ
النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَذَلِكَ لِصِحَّةِ الصَّلاَةِ أَىْ فِى
التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ قَبْلَ السَّلاَمِ.
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ
رَحِمَهُ اللهُ: وَمَعْنَى أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَــْــهَ إِلاَّ اللهُ:
أَعْلَمُ وَأَعْتَقِدُ وَأَعْتَرِفُ أَنْ لاَ مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلاَّ
اللهُ.
الشَّرْحُ: أَنَّ الإِنْسَانَ لَمَّا يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ
إِلَــْــهَ إِلاَّ اللهُ مَعْنَى ذَلِكَ أُصَدِّقُ بِقَلْبِى يَقِيناً
مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَأَنْطِقُ بِلِسَانِى أَنَّهُ لاَ أَحَدَ يَسْتَحِقُ
أَنْ يُعْبَدَ إِلاَّ اللهُ. هُنَاكَ أَشْيَاءُ تُعْبَدُ غَيْرُ اللهِ.
فَبُوذَا يُعْبَدُ، وَعِيسَى يُعْبَدُ، وَالأَصْنَامُ تُعْبَدُ، وَحَتَّى
الشَّيْطَانُ يُعْبَدُ، لَكِنْ كُلُّ هَذِهِ تُعْبَدُ بِغَيْرِ حَقٍّ،
وَالَّذِى يَسْتَحِقُّ أَنْ يُتَذَلَّلَ لَهُ نِهَايَةَ التَّذَلُلِّ
إِنَّمَا هُوَ اللهُ تَعَالَى الْخَالِقُ وَحْدَهُ. وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ
نِهَايَةُ التَّذَلُّلِ، أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى غَايَةُ الْخُضُوعِ
وَالْخُشُوعِ كَمَا عَرَّفَهَا بِذَلِكَ الْحَافِظُ اللُّغَوِىُّ
الْمُفَسّـِرُ الْفَقِيهُ الأُصُولِىُّ تَقِىُّ الدِّينِ السُّبْكِىُّ
وَكَمَا
قَالَ الرَّاغِبُ الأَصْبَهَانِىُّ وَغَيْرُهُمَا. لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ
مُجَرَّدَ النّـِدَاءِ، وَلاَ مُجَرَّدَ الْخَوْفِ، وَلاَ مُجَرَّدَ
الرَّجَاءِ، إِنَّمَا إِذَا اقْتَرَنَ النّـِدَاءُ بِنِهَايَةِ
التَّذَلُّلِ أَوِ اقْتَرَنَ الْخَوْفُ بِنِهَايَةِ التَّذَلُّلِ أَوِ
اقْتَرَنَ الرَّجَاءُ بِنَهَايَةِ التَّذَلُّلِ فَهَذِهِ هِىَ
الْعِبَادَةُ.
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: الْوَاحِدُ.
الشَّرْحُ:
أَنَّ الْوَاحِدَ مَعْنَاهُ الَّذِى لاَ شَرِيكَ لَهُ أَىِ الَّذِى لاَ
أَحَدَ يُشَارِكُهُ فِى الأُلُوهِيَّةِ. لَيْسَ الْوَاحِدُ هُنَا بِمَعْنَى
الْعَدَدِ، لأَنَّ الْعَدَدَ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ. إِذَا
قُلْنَا هَذَا إِنْسَانٌ وَاحِدٌ ثُمَّ ضَمَمْنَا إِلَيْهِ ءَاخَرَ
مِثْلَهُ فَقَدْ صَارَا اثْنَيْنِ. لَمَّا نَقُولُ وَاحِدٌ عَنْ إِنْسَانٌ
فَهُنَاكَ أُنَاسٌ ءَاخَرُونَ كَثِيرُونَ مِثْلُهُ يُشَارِكُونَهُ فِى
الإِنْسَانِيَّةِ، أَمَّا لَمَّا نَقُولُ عَنِ اللهِ وَاحِدٌ مَعْنَاهُ
الَّذِى لاَ شَرِيكَ لَهُ، كَمَا شَرَحَ ذَلِكَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ
رَضِىَ اللهُ عَنْهُ فِى كِتَابِهِ الْفِقْهِ الأَكْبَرِ، قَالَ: وَاللهُ
تَعَالَى وَاحِدٌ لاَ مِنْ طَرِيقِ الْعَدَدِ وَلَكِنْ مِنْ طَرِيقِ
أَنَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ إهـ.
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ: الأَحَدُ.
الشَّرْحُ:
قَالَ بَعْضُهُمُ الأَحَدُ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ. وَقَالَ عُلَمَاءُ
ءَاخَرُونَ الأَحَدُ مَعْنَاهُ الَّذِى لاَ يَقْبَلُ الانْقِسَامَ لأَنَّهُ
سُبْحَانَهُ لَيْسَ جِسْماً مِثْلَنَا. لِذَلِكَ لاَ يَقْبَلُ
الانْقِسَامَ، لأَنَّ الَّذِى يَقْبَلُ الانْقِسَامَ هُوَ الْجِسْمُ
وَالْجِسْمُ مَخْلُوقٌ. وَاللهُ خَالِقٌ لَيْسَ مَخْلُوقاً، لِذَلِكَ
فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِيَّةِ.
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: الأَوَّلُ الْقَدِيمُ.
الشَّرْحُ:
أَنَّ الأَوَّلَ وَالْقَدِيمَ بِمَعنـًى، أَىْ مَا لَيْسَ لِوُجُودِهِ
ابْتِدَاءٌ، أَىْ لَمْ يَسْبِقْ وُجُودَهُ عَدَمٌ. وَاللهُ وَحْدَهُ هُوَ
الأَوَّلُ بِهَذَا الْمَعْنَى، وُكُلُّ مَا سِوَى اللهِ لِوُجُودِهِ
ابْتِدَاءٌ. وَهَذَا الأَمْرُ مِنْ أُصُولِ عَقَائِدِ الْمُسْلِمِينَ،
فَمَنِ اعْتَقَدَ بِخِلاَفِ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ مُسْلِماً.
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: الْحَىُّ الْقَيُّومُ.
الشَّرْحُ: أَنَّ هَذَا سَبَقَ تَفْسِيرُهُ.
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: الدَّائِمُ.
الشَّرْحُ:
أن الدائم الَّذِى لَيْسَ لِوُجُودِهِ انْتِهَاءٌ، لأَنّ وُجَودَهُ لَوْ
كَانَ يَقْبَلُ النّـِهَايَةَ لَكَانَ مَخْلُوقاً لَهُ بِدَايَةٌ.
تواضع لربّ العرش لعلّك تُرفعُ
فما خابَ مسلم للمهيمن يخضع
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: الْخَالِقُ.
الشَّرْحُ:
أَىِ الَّذِى أَبْرَزَ كُلَّ شَىءٍ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ،
فَلَيْسَ شَىْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ وُجِدَ إِلاَّ بِخَلْقِ اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ. الْعَبْدُ وَفِعْلُ الْعَبْدِ بِخَلْقِ اللهِ. نَحْنُ
وَأَصْوَاتُنَا وَحَرَكَاتُنَا وَسَكَنَاتُنَا وَأَفْكَارُنَا وَسَمْعُنَا
وَبَصَرُنَا وَتَقَلُّبُ قُلُوبِنَا وَمَشِيئَتُنَا، كُلُّ ذَلِكَ بِخَلْقِ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَالْعَبْدُ لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً أَىْ لاَ يُبْرِزُ
شَيْئاً مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ، إِنَّمَا الْعَبْدُ يَكْتَسِبُ
عَمَلَهُ اكْتِسَاباً وَاللهُ يَخْلُقُهُ.
وَكَذَلِكَ الأَسْبَابُ
الْعَادِيَّةُ لاَ تَخْلُقُ مُسَبَّبَاتِهَا أَىْ مَا يَنْشَأُ عَنْهَا،
يَعْنِى أَنَّ النَّارَ لا تَخْلُقُ الإِحْرَاقَ، وَالسّـِكِينَ لاَ
تَخْلُقُ الْقَطْعَ، والخُبْزَ لاَ يَخْلُقُ الشّـِبَعَ، وَالْمَاءَ لاَ
يَخْلُقُ الرِّىَّ، وَالشَّمْسَ لاَ تَخْلُقُ الدِّفْءَ، إِنَّمَا هَذِهِ
أَسْبَابٌ وَالْخَالِقُ هُوَ اللهُ. لَمَّا تُلاَمِسُ النَّارُ الشَّىْءَ
الَّذِى يَحْتَرِقُ اللهُ يَخْلُقُ الاحْتِرَاقَ فِى هَذَا الشَّىءِ
فَيَحْتَرِقُ، وَلَوْ لَمْ يَشَإِ اللهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَخْلُقْهُ لَمْ
يَحْتَرِقْ ذَلِكَ الْجِسْمُ. وَذَلِكَ كَمَا حَصَلَ مَعَ سَيّـِدِنَا
إِبْرَاهِيمَ إِذْ رُمِىَ فِى النَّارِ فَلَمْ تُحْرِقْهُ النَّارُ،
وَذَلِكَ لأَنَّ اللهَ مَا خَلَقَ الإِحْرَاقَ فِيهَا وَلاَ الاحْتِرَاقَ
فِى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
وَهَذِهِ الْمَسْئَلَةُ
أَيْضاً مِنْ أُصُولِ مَسَائِلِ الْعَقِيدَةِ مَنِ اعْتَقَدَ بِخِلاَفِهَا
لاَ يَكُونُ مُسْلِماً، يَعْنِى مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ أَحَداً يُشَارِكُ
اللهَ فِى الْخَالِقِيَّةِ لاَ يَكُونُ مُسْلِماً، وَلَوِ ادَّعَى
الإِسْلاَمَ.
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: الرَّازِقُ.
الشَّرْحُ:
أَنَّ الرَّازِقَ مَعْنَاهُ الَّذِى يُوصِلُ الرِّزْقَ إِلَى عِبَادِهِ.
وَالرِّزْقُ هُوَ كُلُّ مَا يَنْفَعُ حَلاَلاً كَانَ أَو حَرَاماً.
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: الْعَالِمُ.
الشَّرْحُ:
أن معنى العالم هو الَّذِى يَعْلَمُ كُلَّ شَىْءٍ. فالله تعالى عالم بذاته
وَصِفَاتِهِ وَمَا يُحْدِثُهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ. يَعْلَمُ الأَشْيَاءَ
قَبْلَ حُصُولِهَا.
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: الْقَدِيرُ.
الشَّرْحُ: أن القدير معناه الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ فَلاَ يُعْجِزُهُ شَىْءٌ.
قَالَ الْمُؤَلّـِفُ رَحِمَهُ اللهُ: الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.
الشَّرْحُ:
مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا أَرَادَ اللهُ فِى الأَزَلِ حُصُولَهُ لاَ
بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ فِى الْوَقْتِ الَّذِى شَاءَ رَبُّنَا تَبَارَكَ
وَتَعَالَى حُصُولَهُ فِيهِ، وَمَا لَمْ يُردِ اللهُ حُصُولَهُ لاَ
يَحْصُلُ أَبَداً، وَلَوِ اجْتَمَعَتِ الأُمَّةُ عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ
بِشَىْءٍ مَا كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ لاَ يَضُرُّوكَ بِهِ، وَلَوِ
اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ مَا كَتَبَهُ اللهُ لَكَ لاَ
يَصِلُ إِلَيْكَ، فَلاَ تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ وَلاَ تَسْكُنُ فِى هَذَا
الْعَالَمِ إِلاَّ بِمَشِيئَةِ رَبِـّنَا عَزَّ وَجَلَّ. وَهَذَا كَذَلِكَ
مِنْ أُصُولِ عَقِيدَةِ الإِسْلاَمِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَ
الطَّبَرىّ و غيرهما أَحاديثَ عَدِيدةً عَن رَسولِ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَ سَلَّم تُبَيِّنُ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الأَمْرَ فَهُوَ
كَافِرٌ.
توقيع عطر الياسمين:
تواضع لربّ العرش لعلّك تُرفعُ
فما خابَ مسلم للمهيمن يخضع