إن شأن الأسرة في الإسلام شأن عظيم، فهي الأساس الذي بقدر ما يكون
راسخاً متيناً، يكون صرح المجتمع وبناؤه شامخاً منيعاً، لما يختزنه من
عوامل القوة والحيوية والنماء.
ومن ثم كانت عناية الإسلام بمؤسسة الأسرة عناية بالغة وفي غاية الدقة والشمول.
فالأسرة ليست مجرد إطار عادي، يتصرف فيه كل عضو بمحض حريته وإرادته، بل هي
إطار تحكمه ضوابط وتسيجه أحكام الشرع الحكيم التي ترتب على الزوجين وظائف
ومهام مقدسة، تتمحور حول غاية سامية كبرى، هي الحفاظ على استمرار وجود
الأمة الإسلامية متماسكاً قوياً، قادراً على أداء رسالته الحضارية العظمى،
التي هي نشر دين الله في أرض الله، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور،
والدفاع عنه ضد قوى البغي والكفر والعدوان التي تريد أن تطمس نوره وتعطل
رسالته.
ولتؤدي الأسرة وظائفها وتضطلع برسالتها، لابد أن تقوم على دعائم وأسس، تظل في غيابها كياناً مهزوزاً قابلاً للنقض في أي وقت وحين.
لقد ظلت الأسرة المسلمة قلعة شامخة وحصناً منيعاً حينما كان قوامها الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً.
ظلت الأسرة المسلمة تمثل صمام أمان ضد الأخطار وجميع محاولات تذويب كيان
الأمة وطمس هويتها وإلغاء تميزها وشهوديتها ، حينما كانت تعتصم بحبل الله
المتين، ولكن هذه الأسرة هي نفسها التي أصبحت مدخلاً للهدم ونسف بنيان
الأمة حينما وقعت فريسة بين أيدي الأعداء، فقد أيقن هؤلاء أن لا مطمع لهم
في إضعاف الأمة والإجهاز عليها، إلا بالتسلل إلى حمى الأسرة لنقض عراها
ونسف بنيانها. وكان ذلك مكراً كبارا من جانب قوى الشر والإفساد في العالم،
والتي يتولى كِبْر قيادتها الأخطبوط الصهيوني اليهودي بأذرعه المتعددة التي
تتحرك في كل اتجاه.
وإذا كانت الأسرة من المجتمع بمثابة القلب من الجسد، إذا صلح صلح الجسد
كله، فإن موقع المرأة من الأسرة هو بمثابة القلب الذي إذا أدى وظائفه
الحيوية في تغذية شرايين جسم الأسرة، وضخ دماء العافية والطهر والنقاء فيه،
والتي إن هي إلا قيم الفضيلة والعفة والحياء، وبث روح التضامن والمسؤولية
والإخاء، كانت الأسرة أسلم ما تكون.
بناء على هذه الحقيقة الناصعة،انطلقت القوى المعادية للإسلام بإصرار عنيد
لتنفيذ خطتها الماكرة التي يتمثل أول بنودها في إخراج المرأة من مملكتها
المنيفة وقلعتها الشامخة تحت شعار خادع وهو تحريرها من ربقة التخلف
والتقليد، وفي تجريدها من لباس الحشمة والحياء الذي يمثل وسام فخار وعنوان
وقار للمرأة المسلمة.
وكان ثاني بند في هذا السياق متمثلاً في هدم السدود بين الرجال والنساء،
فأصبح بعضهم يموج في بعض، في تجليات مخزية ومظاهر تأباها الفطرة ويندى لها
الجبين.
وهـكذا أصبح الاختلاط يتحول تدريجياً من حالات متفرقة معزولة، محصورة في
بعض الأسر الميسورة المترفة ، ليصير ظاهرة متفشية في أوساط المجتمع بجميع
شرائحه وطبقاته ، ومما زاد من تسريع فشو هذه الآفة واستحكامها في مفاصل
المجتمع، الإعلام الفاجر الذي غزا البيوت بشكل رهيب ، وراح يزعزع يقين
المسلمين في قيم ومفاهيم وعادات وعلاقات درجوا عليها وتناقلتها الأجيال
جيلاً بعد جيل، وذلك من قبيل الحلال والحرام، والستر والحياء، والاحتشام،
وبر الوالدين وقوامة الرجال على النساء، ووفاء الأزواج بعضهم لبعض، وما إلى
ذلك من القيم الرفيعة التي سمت بالأمة وحافظت لها على مناعتها وتجذرها،
وتميزها بين الأمم باعتبارها ممثلة لمنهج الهداية والفلاح، حاملة لرسالة
الشهود على الناس مصداقاً لقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا
شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}، البقرة 143.
وهكذا بدأ بيض الاستعمار يفقس يوماً بعد يوم وقنابله الموقوتة المبرمجة
تنفجر تباعاً لتمزق أشلاء الأسرة وتفكك أوصالها وأواصرها، فأصبحنا أمام
نماذج للأسرة بعيدة كل البعد عما ألفه الآباء والأجداد.
[color:4ea5=0000ff]القوامة ضرورة تفرضها سنن الله
لقد حل محل أسرة الوئام والود والاحترام، أسرة النزاع والانقسام،
وما ذلك إلا بسبب فكرة الصراع التي زرعت في عقول النساء و تحولت بسببها
الأسر إلى حلبة للحرب والشقاق، فلقد قيل للنساء بأن مبدأ القوامة مبدأ ظالم
ومجحف غير منصف في حق المرأة، فبأي حق وبناء وعلى أي منطق تكون القوامة
للرجال دون النساء؟.
وكان ذلك اعتراضاً شيطانياً ماكراً زج بالنساء في أتون معركة خاسرة كان
ضحيتها الكبرى، شمل الأسرة الذي مزق شر ممزق وأمن المجتمع الذي زعزعت
دعائمه وتصدعت أركانه. ولقد صور أصحاب المنطق الشيطاني قوامة الرجال على
النساء على أنها مدخل للاستعباد، والحقيقة أن مبدأ القوامة لا يعدو أن يكون
مبدأ تنظيمياً يؤطره الشرع الحكيم، وهو ضرورة تفرضها سنن الله في الاجتماع
والعمران.
فما من مؤسسة إلا ولها قائد أو رئيس فهل يريد هؤلاء المفسدون أن تكون مؤسسة
الأسرة استثناء من القاعدة وانحرافاً عن سنة ثابتة ؟ فتصبح هملاً بدون راع
؟
إننا لا نجانب الصواب إذا قلنا ـ بأن حركة المطالبة بحقوق المرأة إن هي إلا
معول لهدم الأسرة وذريعة لنشر الفساد وزعزعة أمن المجتمع، فهي حركة ظاهرها
فيه الرحمة والإنصاف وباطنها من قبله العذاب.
فباسم تلك الحقوق المفترى عليها، سلخت المرأة من فطرتها وجردت من آدميتها
وحولت إلى أداة شيطانية للهدم والإفساد ، فهل تفيق المرأة من غفلتها وهل
تعتبر بهذا المآل النكد.
لقد قيل للمرأة العاملة، لقد ملكت مصيرك بتحررك اقتصادياً فما عليك إلا أن
تتمردي على الرجل وتجعلي نتيجة الصراع لصالحك، إياك والطاعة ولين الجانب،
أشعليها ناراً لا تنطفئ وإلا وقعت فريسة سهلة بين مخالب الرجل.
هذا هو فحوى خطاب الإعلام في صيغه وأشكاله المباشرة وغير المباشرة.
إن الشروخ والتصدعات التي أصابت علاقة الرجل والمرأة ـ أي علاقة الأزواج،
انعكست بشكل خطير وألقت بظلالها القاتمة على علاقة الأبناء بالآباء.
فبدلاً من خفض جناح الذل من الرحمة للوالدين، حل التمرد والعصيان، وبدلاً
من قيم عرفان الجميل والبر والإحسان حل التنكر لجميل الأمهات والآباء.
وماذا يمكن أن نتوقع غير هذه المظاهر النكدة والتفلتات الشنيعة في ظل مدرسة
تلقن السوء للأبناء وتشحن عقولهم بكل ما يجرئهم على القيم النبيلة
والأخلاق السامية التي يدعو إليها الدين الحنيف.
وفي ظل إعلام بذيء يعرض نماذج لعلاقات رديئة بين الآباء والأبناء وإعلام
مشحون بالأفكار والتصورات القاحلة التي تصيب المشاعر بالقسوة والجفاء.
كيف لا وهي تبعد الناس عن الله وتدفعهم إلى نسيانه، وقبل ذلك وبعده فإن
الأسرة المفككة التي لا تسترشد بمنهج الإسلام، لا يمكنها أن تعد نشأ سوياً
يعرف للأبوة والأمومة حقهما، لأن فاقد الشيء لا يعطيه بطبيعة الحال.
إن حياتنا مليئة بالألغام التي زرعها أعداء الإسلام، ولا يزالون، ويتعهدها
أذنابهم من بني جلدتنا ممن باعوا أنفسهم للأعداء، وأبرموا حلفاً مع الشيطان
تحت أسماء عدة وشعارات شتى ما أنزل الله بها من سلطان.
وإن جهاداً مريراً ليفرض نفسه وبإلحاح على شرفاء الأمة وطاقاتها الحية،
لإزالة تلك الألغام ، وما أكثر الجراح وما أشد التبعات التي تنتظرهم في هذه
السبيل يقول الله سبحانه وتعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا
هو زاهق ولكم الويل مما تصفون} الأنبياء
18