إنَّ مرحلةَ الطفولةِ أخطرُ وأهمُ مرحلةٍ في حياة الإنسان ، وهي البيئةُ
التي تظهر فيها ميولُ الإنسانِ ونوازعُهُ للمربي الجادِ الذي جعل من
ملاحظتِه ومُتَابَعَتِهِ سلوكَ الصغيرِ مع*****ً يتعرفُ بهما على جِبِلَّتِه
..
لذلك كلِّه وغيرِه كانت مرحلةُ الطفولةِ محطَ أنظارِ المصلحين ، ومجمعَ
اهتمامِ المربين ، وهي كذلك محطُ أنظارِ المفسدين ، ومجمعُ اهتمامِهم
وميدان بذلِهِم وإنفاقِهم ، لعلمهم أنَّ كلَّ أمةٍ إنَّمَا يصلُح أفرادُها ،
وتثبتُ على مبادئها ، ويحملُ رايةَ عقيدَتِها صغارُها عن كبارِها ، فهم
خَلَفُ الكبار ، وَمُجَدِّدُوا مَجْدِ سلفِها الأبرار .
وإنَّ النَّاظر في حالِ كثيرٍ من أفرادِ الأمَّةِ الإسلاميّة، في طول
البلادِ وعرضها، يرى أنَّ هجماتِ أعدائِهم قد أثرت في أبنائِهم ، وأنَّ
مخططاتِ مفسديهم قد انحرف بسببها كثيرٌ من فِلْذَاتِ أكبادِهِم، فتشوهتْ
صورةُ الجيلِ الصاعد ، وانحرفتْ عن خُطى أسلافِها .
لذلك كان لزاماً على الجميع : معرفةُ قواعدِ التربية الصحيحة ، ليعرف كلُّ
فردٍ دورَه ومكانته ، وأساليبَ تطبيقِ ما تعلمَ في حياته العملية ،
وبيئتِهِ الأسرية ، ليؤدي دوره الرائدَ في إخراجِ جيلٍ صالح ، ومؤمن
متمسكٍ بدينه ، ساعٍ لإرضاء ربِّه ، حريصٍ على الأخذِ بسنة نبيه.
وقد تضمن القرآنُ الكريمُ ، والسُّنَّةُ المطهرةُ ، وسيرُ سلفِ هذه الأمةِ
كمَّاً هائلاً من المبادئ والقيم والمعاني والآداب ، والأساليبِ التربوية ،
التي يجبُ أن يُرَبَّى عليها الصغير .
* ما يجب على المربي مراعاتُه :
- أولاً : على المربي أن يراعي مراحلَ عمرِ الصغير ، وأن يراعي ميوله ،
وقدراتِه على الفهمِ والأخذِ بما يُلْقَى عليه ، فليس كلُّ طفلٍ يعامل
كالآخرين ، لذلك لا بدّ من مراعاةِ الاختلاف بين كلِّ طفلٍ وآخر ، وأن
يُبْنَى على هذا الاختلافِ ما يُلقى على الصغيرِ كمّاً وكيفاً .
- ثانياً : وعليه أن يعلم أن فطرةَ الصغيرِ سليمة ، وأنَّ ما يلحقها من
كدرٍ مَرَدُّهُ إلى مؤثراتٍ خارجيّة ، وأنَّ المربي يتحمل الجزء الأكبر من
ذلك .
- ثالثاً : وعليه أن يعلم أنَّ الأخلاق تقبل التغيير ، لذلك كان واجبُ
المربي عظيماً في متابعة الصغير ، وفي ملاحظةِ خُلُقه وسلوكه ، فما كان
حسناً سعى في تثبيته ، وما كان سيئاً سعى في تقويمه وإصلاحه .
- رابعاً : وعليه أن يُوَطِّنَ نفسه على الصبر ، فإنَّ مرحلة الطفولة طويلة
، والواجبُ الملقى عليه كبير ، والنتائج فبيد الله سبحانه !
- خامساً : وعليه أن يَعْلَمَ أنَّ الصغيرَ يملكُ قدراتٍ عقليةٍ عظيمة ؛
كالذكاءِ ، وسرعةِ التذكر ، والاستيعابِ لما يُلْقَى عليه ، وهذه القدراتُ
بحاجةٍ إلى إظهارٍ وتنمية ، وإلاَّ انحرفت ، وهذا يُرِينَا جزءً من عِظَمِ
الواجبِ الملقى على المربي ، أباً كان أو غيره .
* أهميّة تعليم الصغير القرآن :
اعلموا أنَّ في القرءان العظيم ، والسنة النبوية المشرفة ، وسير سلف هذه
الأمة كمّاً كبيراً من المباديء والقيم ، والمعاني والآداب ، والأساليب
التربوية التي يجب أن يُرَبَّى عليها الصغير ، ويشرب قلبه الأخذ بها منذ
نعومة أظفاره .
لذلك ينبغي لولي الصغير أن يوجهه إلى تعلم كتاب الله تعالى منذ صغره ،
لأنَّه به يتعلم توحيد ربّه ، ويأنس بكلامه ، ويسري أثره في قلبه وجوارحه ،
وينشأ نشأةً صالحة على هذا .
قال الحافظ السيوطيُّ – رحمه الله : تعليمُ الصبيانِ القرآن أصلٌ من أصول
الإسلام ،فينشاؤون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبِهِم أنوارُ الحكمة قبل تمكن
الأهواء منها ، وسوادها بأكدار المعصية والضلال .
قال الله تعالى [ أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ
اللَّيْلِ وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ
مِشْهُوداً ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن
يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( … وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا
يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى
الْجَنَّة . وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الله ،
يَتْلُونَ كِتَابَ الله ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُم، إِلاَّ نَزَلَتْ
عَلَيْهِمْ السَّكِينَة ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَة، وَحَفَّتْهُمْ
الْمَلاَئِكَة ، وَذَكَرَهُمْ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَه ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ
عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُه )) .
إنّكَ أيُّها الأب ، وإنّكِ أيَّتُها الأمّ !!
كلَّما أرسلتما أبناءكما لحفظ كتاب الله تعالى ، فإنَّكما في الحقيقة لا
ترسلانهم إلى مسجد، أو مقرٍّ يحفظون فيه القرآن فقط ، وإنّما ترسلانهم إلى
مسجدٍ ، ومقرِّ تحفيظٍ ،وروضةٍ من رياض الجنَّة .
روضةٍ فيها روح وريحان ، وربٌّ غير غضبان .
روضةٍ يُنَزِّلُ اللهُ تعالى على أبنائكما فيها سكينَتَه ، وتغشاهم فيها
رحمتُه ، وتحفهم فيها ملائكتُه ، ويذكر اللهُ أبناءكما فيمن عنده من
الملائكة الكرام ، ويباهي بهم حملة عرشه عليهم السلام .
وهذه البُشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم – معاشر الآباء والأمهات
– أن أبناءكم سيكون لهم مقامُ الرفعة في الدُّنيا والآخرة ، لكونكم
علمتموهم كتاب الله ، وحرصتم على تمسكهم به ، وتطبيقهم ما جاء فيه .
كيف لا ؟ وما ساد عطاء ، ومجاهد ، وعكرمة ، والحسن البصري ، ومكحول ،
وغيرهم من سـادت المسلمين – وهم موالي ، كانوا يباعون – إلا بكتاب الله
تعالى .
فقد كان عطاء عبداً مولداً ، من مولدي اليمن ، كان أبوه عبداً لامرأة من
بني جُمَح ، وكان عطاء يعيش من صـنع المكاتل ، وهو أسود ، أفطس ، أعور ،
أشل اليد ، أعرج ، ثمَّ عَمِيَ ، ومع ذلك ساد العرب قبل العجم ، بتعلمه
كتاب الله تعالى ، حيث حفظ القرآن في الكُتَّاب ، ثمَّ أقبل على الصحابة
رضوان الله عليهم يأخذ عنهم علم الكتاب والسنَّة ، حتى أصبح مرجعَ أهلِ مكة
، بل مرجع المسلمين في المناسك في زمنه ، وكان يُنَادَى في مواسم الحجّ –
بأمر الخليفة الأُموي – أن لا يُفتي في الحجِّ إلا عطاء !
وهذه بشارة ثالثة من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، معاشر الآباء
والأمهات : قال صلى الله عليه وسلم : (( الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ
السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَة ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ
وَيَتَتَعْتَعُ فِيه ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ ، لَهُ أَجْرَان )) .
فكيف بكم – عباد الله ، يا من أرسلتم أبناءكم لحفظ كتاب الله تعالى ،
وحرصتم على ذلك – إذا جئتم ربَّكم يوم القيامة فترون أبناءكم مع خير ملائكة
الله تعالى ، وهم السَّفَرَةُ الْكِرَامُ الْبَرَرَةُ عليهم السَّلام ؟ من
يُفَرِّطُ في هذا ، ويزهد فيه ؟ إلاَّ من ظلم نفسه !
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ
يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ
رَبّ ! مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَار ، فَشَفِّعْنِي
فِيه ! وَيَقُولُ الْقُرْآنُ:
مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْل ، فَشَفِّعْنِي فِيه ! قَالَ : فَيُشَفَّعَان )) .
وهذه بشرى رابعة – يسوقها رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم معاشر الآباء
والأمهات – أنَّ أبناءكم ، الذين حفظتموهم كتاب الله تعالى ، يشفع لهم
القرآن عند ربّكم ، فلا يرضى حتى يأخذ بأيديهم إلى جنَّات عدن، يحلون فيها
من أساور من ذهب ولؤلؤاً ، ولباسهم فيها حرير !
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أَبْشِرُواْ ! فَإِنَّ هَذَا
الْقُرْءَانَ طَرَفُهُ بِيَدِ الله ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيْكُم ،
فَتَمَسَّكُواْ بِه ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَهْلَكُواْ ، وَلَنْ تَضِلُّواْ
بَعْدَهُ اَبَداً )) .
وهذه بشرى خامسة لكم – أيها الآباء والأمهات – يا من تخشون على مستقبل
أبنائكم ، يا من تسهرون في التفكير والتخطيط لهم ! هذا الله تعالى يضمنُ
لكم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنَّ كتاب الله تعالى حبلُ الله
المتين الذي من تمسك به نجى ، وَأَمِنَ من الهلاك ، وعاش حياةً طيبة ، وكان
مآلُهُ في الآخرة مع الفائزين .
أما في الآخرة فيبشرنا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أنَّ القرءان
سَيُحَلِّي أبناءنا أحسن الحلل، وَسَيُسْكِنَهُم اللهُ بِهِ الظلل،
وسـيُنيلهم أعظمَ الحسنات ، ويجعلهم في أعلى الدرجات .
أمَّا إذا جاء الآباء والأمهات رَبَّهُم يوم القيامة ، وكان ابنهم ممن
عَلَّمُوه القرءان الكريم ، فاستمعوا إلى هذه البشارة العظيمة التي يبشرهم
رسول الهدى صلى الله عليه وسلم بها حيث يقول : (( … وَإِنَّ الْقُرْآنَ
يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة ـ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُه ـ
كَالرَّجُلِ الشَّاحِب ، فَيَقُولُ لَهُ : هَلْ تَعْرِفُنِي ؟ فَيَقُولُ :
مَا أَعْرِفُك . فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي ؟ فَيَقُولُ : مَا
أَعْرِفُك .
فَيَقُولُ : أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآن ، الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي
الْهَوَاجِر ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَك . وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ
تِجَارَتِه ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَة . فَيُعْطَى
الْمُلْكَ بِيَمِينِه، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِه ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ
تَاجُ الْوَقَار ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لاَ يُقَوَّمُ
لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا ، فَيَقُولاَنِ : بِمَ كُسِينَا هَذِه ؟
فَيُقَالُ : بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآن . ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : اقْرَأ
، وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا ، فَهُوَ فِي صُعُودٍ
مَا دَامَ يَقْرَأ ، هَذًّا كَان ، أَوْ تَرْتِيلاً )) .
فاحرصوا ، بارك الله فيكم ، على تربية أبنائكم على حفظ كتاب ربكم ،وادفعوهم إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم ، فإنَّ فيها نفع عظيم .