الأمير عبد القادر الجزائرييعتبر الأمير عبد القادر من كبار رجال الدولة الجزائريين في التاريخ
المعاصر ، فهو مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة ورائد مقاومتها ضد الاستعمار
الفرنسي بين 1832 و 1847. كما يعد أيضا من كبار رجال التصوف والشعر وعلماء
الدين . وفوق كل ذلك كان داعية سلام وتآخي بين مختلف الأجناس والديانات وهو
ما فتح له باب صداقات وإعجاب كبار السياسيين في العالم.
النشأة و التكوينهو الشيخ عبد القادر ابن الأمير محيي الدين بن مصطفى الحسني، المشهور باسم
الأمير عبد القادر الجزائري، يتصل نسبه بالإمام الحسن بن علي بن ابي طالب.
والجد المباشر للأمير عبد القادر والذي تسمى على اسمه , كان الامير عبد
القادر , الذي وصل من المغرب إلى الجزائر واستقر في منطقة " غريس " وأسس في
في منطقة " الغيطنه " زاويته الصوفيه , ويدعى في الجزائر وعند أهل الطريقه
" سيدي قاده " تحببا , ولا يزال ضريحه مزارا شريفا , على الطريقة القادرية
وشيخها الإمام " عبد القادر الجيلاني " , الذي عاش ومات في بغداد .
ولد الأمير عبد القادر يوم الجمعة 23 رجب 1222هـ/مايو 1807م، بقرية
القيطنة الواقعة على وادي الحمام غربي مدينة معسكر (الجزائر)، وترعرع في
كنف والديه حيث حظي بالعناية والرعاية.
تلقى عبد القادر تربيته بالزاوية التي كان يتكفل بها أبوه محي
الدين، أين حفظ القرآن الكريم ثم تابع دراسته بأرزيو و وهران على يد
علماء أجلاء حيث أخذ منهم أصول العلوم الدينية، الأدب العربي، الشعر،
الفلسفة، التاريخ، الرياضيات، علم الفلك و الطب، فصقلت ملكاته الأدبية
والفقهية والشعرية في سن مبكرة من حيـاتـه.
وكان على علم و دراية تامين بعلماء أمثال أفلاطون، أرسطو، الغزالي، ابن
رشد كما تبينه كتاباته. وقد تفانى طوال حياته في تجديد علمه و
إثراء ثقافته.
لم يكتف الشاب عبد القادر بتلقى العلوم الدينية و الدنيوية بل اهتم أيضا
بالفروسية و ركوب الخيل و تعلم فنون القتال، فتفوق في ذلك على غيره من
الشباب. و بذلك كان عبد القادر من القلائل جدا الذين جمعوا بين العلوم
الدينية و الفروسية، عكس ما كان عليه الوضع آنذاك إذ انقسم المجتمع إلى
المرابطين المختصين في الدين و الأجواد المختصين في الفروسية و فنون
القتال.
و كان يبدو و هو في الثالثة عشرة من عمره جميل الصورة حلو التقاطيع، ذا
شخصية عميقة جذابة، يأسر الناس بلطفه، و يكسب ثقتهم بثقافته. و في تلك السن
المبكرة بدأ ينظم الشعر و يعرضه على أبيه، فيشجعه و يسدده و هو موقن بأن
مستقبل ابنه قد تحدد، و معالم شخصيته قد اتضحت، فكل شيء من حوله كان يعده
ليكون رجل أدب و علم و دين. فبينما كان أترابه يمرحون و يعبثون في الكروم و
البساتين المحيطة بقرية القيطنة، كان هو يلازم مجالس أبيه التي تضم نخبة
من أهل الأدب و العلم، فيصغي إليهم مأخوذا مبهورا و هم يتبادلون الآراء و
يتناشدون الشعر، و يتجادلون في معضلات الفقه أو يتذاكرون وقائع التاريخ.
و لم ترتح السلطة التركية لتلك المجالس، و ما يدور فيها من آراء، ففرضت على
محي الدين الحسني سنة 1821 الإقامة الجبرية في وهران، فانتقل عبد القادر
مع أبيه إلى تلك المدينة، و أتيح له أن يتعرف بنخبة جديدة من أهل الأدب و
العلم، و أن يطلع على ألوان جديدة من الحياة، و أن يزداد إيمانا بفساد
الحكم التركي و الحاجة الماسة إلى التطور و الإصلاح. و في هاته الفترة أي
في عام 1823 زوجه والده من لالة خيرة وهي ابنة عم الأمير عبد القـــادر.
و بعد سنتين من الاحتجاز تدخل داي الجزائر فسمح لهما بالذهاب إلى الحج
معتقدا بأن ذلك وسيلة لإبعادهما عن البلاد حتى و لو لمدة قصيرة.
سافر عبد القادر مع أبيه عام 1241هـ/ 1825م إلى البقاع المقدسة عبر تونس
،ثم انتقل بحرا إلى الإسكندرية و منــها إلى القاهرة حيث زار المعالم
التاريخية وتعرف إلى بعض علمائها وشيوخها وأعجب بالإصلاحات والمنجزات التي
تحققت في عهد محمد علي باشا والي مصر. ثم أدى فريضة الحج، ومنها انتقل إلى
بلاد الشام لتلقي العلم على يد شيوخ جامع الأمويين.
ومن دمشق سافر إلى بغداد أين تعرف على معالمها التاريخية واحتك بعلمائها ،
ووقف على ضريح الولي الصالح عبد القادر الجيلاني مؤسس الطريقة القادرية،
التي تضم زاوية القيطنة، مما سمح للأمير و والده بالابتعاد عن سيطرة
باي وهران الذي كان متخوفا من النفوذ العقائدي الذي كان يتسم به
كل من محي الدين و ابنه عبد القادر.
ليعود مرة ثانية إلى البقاع المقدسة عبر دمشق ليحج. وبعدها رجع مع والده
إلى الجزائر عبر القاهرة ثم إلى برقة ومنها إلى درنة وبنغازي فطرابلس ثم
القيروان والكاف إلى أن وصلا إلى القيطنة بسهل غريس في الغرب الجزائري عام
1828 م .