3 – ازدهار فن العمارة الإسلامية ببلاد المغرب
شهد الغرب الإسلامي نهضة عمرانية لم يسبق لها مثيل تميزت بتعدد المدن إلى
حد بروز شبكة حضرية متكونة من مدن كبرى ووسطى وصغرى، واشتهرت المدن الهامة
بتنوع خصوصياتها المعمارية كالجوامع والقصور المتميزة بأشكالها الفنية
المزخرفة.
أ – تعدد المدن الكبرى بالغرب الإسلامي
تأسست بالغرب الإسلامي شبكة حضرية متمحورة حول المدن الكبرى التي أسسها
الأمراء واتخذوها عواصم لدولهم وقواعد لجيوشهم مثل القيروان وفاس وسجلماسة
وتيارت (تاهرت) وقرطبة بالأندلس. ونشأت المدن المتوسطة والصغرى على طول
المسالك والطرقات التي اتجهت نحو المشرق وباتجاه بلاد السودان جنوبا.
- مدينة القيروان: تم اختيار موضع القيروان على سهل فسيح حيث شيدت على
أنقاض حصن بيزنطي من طرف عقبة بن نافع. وكانت القيروان في موقع حصين بعيدة
عن البحر لتفادي غزوات البيزنطيين وهي في سهل خصب تتوفر به المراعي وعلى
طريق المسالك التجارية الرابطة بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب. وفي
عهد الخليفة هشام بن عبد الملك تم تجهيز المدينة بفسقيات وهي مواجل كبيرة
الحجم تقع شمال المدينة وجنوبها تجمّع بها المياه لحاجة السكان كما توسعت
أسواقها وأحيطت بسور يبلغ عرضه خمسة أمتار، وامتدت المدينة خاصة في العهد
الأغلبي فشيدت القصور خاصة في العباسية ورقّادة وصبرة المنصورية وازدهرت
صناعاتها وقصدها الناس من كل مكان للتعلّم والتجارة والإقامة حتى أصبحت من
أهم الحواضر الإسلامية.
- مدينة المهدية: تقع المهدية على الساحل الشرقي لإفريقية، أسسها عبيد الله
المهدي سنة 302 هـ على موقع روماني قديم يسمى جُمّة واختارها عاصمة للدولة
الفاطمية عوضا عن القيروان. وقسم المهدي عاصمته إلى قسمين أحدهما مقر
الدولة والجامع والأسواق ودار الصناعة والميناء المنقور في الصخر ويدعى
المهدية وأحاطها بسور، والثاني لعامة الناس ويدعى زويلة ويفصل بين
المدينتين باب الفتوح، ولا تزال معالم المهدية الفاطمية قائمة إلى يومنا
هذا شاهدة على شموخ الحضارة الإسلامية بالغرب الإسلامي رغم الحروب والحملات
التدميرية التي تعرضت لها. ذكر البكري حول المهدية "ولمدينتها بابا حديد
لا خشب فيهما زنة كل باب ألف قنطار وطوله ثلاثون شبرا في كل مسمار من
مساميرها ستة أرطال... وفي المهدية من المواجل العظام 360... ومرساها منقور
من حجر صلد يسع ثلاثين مركبا وعلى طرف المرسى برجان بينهما سلسلة من
حديد... وكان لها أرباض كثيرة آهلة عامرة أقربها إليها ربض زويلة فيه
الأسواق والحمامات..." (البكري، المسالك ص 29-31).
- مدينة سجلماسة: هي مدينة صحراوية تقع في تافيلالت تنطلق منها القوافل
التجارية إلى بلاد السودان جنوبا وإلى فاس شمالا. تأسست سجلماسة سنة 140 هـ
لتكون عاصمة لبني مدرار الصفريين ومركزا تجاريا صحراويا هاما. شيدت بها
القصور والمصانع والمساجد ولها سور يفتح بواسطة 12 بابا ولها أرباض كثيرة.
وكان ازدهار سجلماسة مرتبطا بنشاط التجارة الصحراوية حيث تراكمت إيرادات
الذهب من بلاد السودان ومرت بها القوافل قادمة من فاس وأغمات والسوس
والسودان وحققت تجارتها أرباحا طائلة.
- مدينة فاس: أنشأها الأدارسة سنة 172 هـ وتقع أسفل جبال الأطلس الأوسط في
سهل فسيح واشتهرت بجامع القرويين الذي يعتبر من أهم معالم المدينة إلى
يومنا هذا.
تعتبر هذه المدن الكبرى أمثلة معبرة عن حركة التعمير والتمدين التي شهدها
الغرب الإسلامي بعد الفتح ولا تزال هذه المدن قائمة إلى اليوم لتؤكد تواصل
الحضارة الإسلامية ببلاد المغرب على عكس المدن التي شيدت زمن الفينيقيين
والرومان والبيزنطيين والتي لم يبق منها سوى بعض الآثار.