2 – تطور العلوم ببلاد المغرب بعد الفتح الإسلامي
شهد المغرب الإسلامي نهضة علمية تبرز معالمها من خلال تعدد مراكز العلم
كجامع عقبة بالقيروان وجامع الزيتونة بتونس وجامع القرويين بفاس وجامع
قرطبة بالأندلس... وقد اشتهر الولاة والأمراء بحذقهم للعلوم واللغات
والفنون والآداب مثل إبراهيم بن الأغلب الذي أجاد الشعر والبلاغة والمعز
لدين الله الفاطمي الذي تكلم عدة لغات كالبربرية والرومية والسودانية. وبرز
في إفريقية العديد من العلماء المتخرجين من جامعة القيروان فاشتهر في
اللغة والأدب ابن الطرماح وأحمد اللؤلؤي ومحمد بن جعفر القزاز، وفي الفلسفة
أبو بكر القمودي وسعيد بن الحداد. كما تأسست بالقيروان مدرسة للطب واشتهر
فيها عدد من الأطباء مثل اسحاق بن عمران ومحمد بن الجزار وخاصة أحمد بن
الجزار صاحب كتاب "زاد المسافر"
كما تطور علم الجغرافيا واستغل في أغراض تطبيقية كالتجارة، وعلم التاريخ
والأنساب وقد اشتهر فيه ابن حيان وابن حزم القرطبي والقاضي النعمان.
وقد ساهم الغرب الإسلامي مساهمة فعالة في إثراء الحضارة الإسلامية خاصة في
المجال الفكري فبرز العديد من المفكرين ومن أبرزهم ابن رشد الفقيه والقاضي
والفيلسوف والطبيب الذي ولد سنة 530 هـ/1126 م بقرطبة وعاصر الفيلسوف ابن
طفيل والطبيب ابن زهر، وعاش ابن رشد بين الأندلس والمغرب الأقصى وألف
العديد من الكتب أهمها "تهافت التهافت" و"فصل المقال فيما بين الشريعة
والحكمة من الاتصال" و"الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة" و"الكليات في
الطب" وصنّف فيه ابن رشد الأدوية حسب فعالياتها وآثارها. كما شرح ابن رشد
فلسفة أرسطو ونقلها إلى الغرب ولخص مؤلفات جالينوس في الطب وأقبل الغرب
المسيحي على مؤلفاته باعتباره أبرز مفكري التيار العقلاني داخل الفكر
العربي الإسلامي ومرجعا هاما في الفكر الأوروبي فشكل بذلك نقطة تواصل
وتفاعل بين الثقافتين الإسلامية والمسيحية.
كما أفرزت الحضارة الإسلامية ببلاد المغرب عالما اشتهر بمؤلفاته الجغرافية
رغم أنه كتب في علم النبات والأدوية وهو الإدريسي الذي ولد في مدينة سبتة
بالمغرب الأقصى في أواخر القرن الخامس هجري وتنسب عائلته إلى الأشراف
الأدارسة العلويين ودرس في قرطبة ثم تنقل في عدة بلدان وألّف عدة كتب من
أهمها "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" و"الأدوية المفردة". وأسس الإدريسي
جغرافيته على مفاهيم علمية صحيحة أهمها كروية الأرض ووجود خط الاستواء
والأقاليم المناخية وتأثير الجبال في تكييف المناخ وتوجيه الرياح ونزول
الأمطار، كما أنجز الإدريسي خريطة العالم المعروف في ذلك الوقت على شكل
كروي وذلك قبل أن يثبت العلم الحديث صحة هذا الشكل.
وتجاوز الإشعاع العلمي لبلاد المغرب حدود المنطقة الإفريقية حيث انتقل
الإدريسي إلى جزيرة صقلية وعاش في قصر ملكها روجار الثاني الذي كلفه بتأليف
كتاب شامل في وصف مملكته والبلدان المعروفة في ذلك العهد. وقد أشار ابن
خلدون إلى تلك العلاقة حينما كتب "ونحاذي بذلك ما وقع في كتاب نزهة المشتاق
الذي ألفه العلوي الإدريسي الحمودي لملك صقلية من الإفرنج وهو روجار بن
روجار عندما كان نازلا عليه بصقلية... وكان تأليفه للكتاب في منتصف المائة
السادسة وجمع له كتبا جمّة للمسعودي وابن خرداذبة والحوقلي وابن إسحاق
المنجّم وبطليموس والعذري وغيرهم..." (ابن خلدون، المقدمة، ص 68).
خريطة العالم للإدريسي (أعلى الخريطة يمثل الجنوب)
ولم يقتصر دور الحضارة العربية الإسلامية ببلاد المغرب على العلوم
والثقافة بل تجاوز ذلك إلى الفنون والعمران بما جعله قادرا على الإسهام في
تطوير التراث الإنساني وإثرائه بإضافات بناءة كانت منطلقا للنهضة الأوروبية
الحديثة.