فن العتابا... وأسطورة عبد الله الفاضل
الأربعاء 17-10-2007
أقامت
جمعية العاديات بالرقة بالتعاون مع مديرية الثقافة بالرقة أمسية رمضانية
القى فيها الباحث الدكتور محمود النجرس محاضرة بعنوان : فن العتابا وأسطورة
عبد الله الفاضل ،وذلك في قاعة العجيلي للمحاضرات في دار الأسد للثقافة
بالرقة .
وتحدث النجرس عن أصل تسمية العتابا وتعريفها ،يقول:
العتابا من قمم الأدب الشعبي الغنائي في منطقة الفرات ،وهي من أشهر الألحان
التراثية ،ويعود أصل تسميتها الى العتاب والمعاتبة ،وتغنى العتابا بمرافقة
الربابة ،أو بدونها أو بمصاحبة الفرقة الموسيقية الشرقية ،وهي من الألوان
الغنائية التي تغنى افراديا وتترافق مع بعض الألوان الغنائية كالنايل
والسويحلي ،وبعض الدبكات الخفيفة كالميمر والماني والهلابا ،والعتابا لغة
تعني الوجد ،وهي من الشعر الوجداني المعبر بأقل مايمكن من الكلمات عن أعمق
عواطف الحب والحزن والتذكر والحكمة وفلسفة الحياة ومعاتبة الدهر والخلان
،ووصف الترحال .
ومن آيات العتاب ،ومعاتبة الحبيب لما يبديه من
الصد والهجران ،ولوم الشاعر لحبيبته ،والدهر والدنيا وقومه ،يصور الشاعر
نفسه وكأنه الوحيد المستهدف يقول:
أريد أبجي على روحي ونا حاي بعيني ضاكت الدنيا ونا حاي
أخوي الما نفعني بيوم ونا حاي شلي بيه يوم ردّات التراب
ومن
سمات بيت العتابا أنه يتركب من أربعة أشطر ،الأشطر الثلاثة الأولى متحددة
في اللفظ مختلفة في المعنى ،أما الشطر الرابع ويسمى قفلة العتابا أو الرباط
،فيجب أن ينتهي بالألف والباء أو الألف الممدودة ،أوالألف المقصورة ،ويجوز
أن ينتهي بقواف أخرى على الألف والهاء المهملة أو التاء المفتوحة و معنى
ذلك ان بيت العتابا يشكل وحدة معنوية كاملة ، و هذا سر انتشاره ، وولع
الشعراء به ، و دلالته بغنى ثروته اللفظية ، و يعتمد على فن بديعي جميل هو
الجناس ، و ايجازه البليغ ، و ما فيه من قدرة الشاعر على حشر اقصوصة صغيرة
أو معني جميل في بيتين من الشعر .
و يعرض الباحث النجرس تاريخ نشأة
العتابا و أول ظهور لها ، يقول : العتابا فن نظمي غنائي ، يعود اختراعه
الى القرن السابع الهجري ، و هو استمرار و تطوير لفنون شعرية غنائية سبقته
كفن القوما ، أول من غنى العتابا ابو الحسن الحريري المتوفى سنة / 546/
هجرية ، كما استخدمت بعض القبائل العربية و خاصة قبيلة الجبور هذا اللون ، و
تولعت به و اجادت حتى نسب اليها ، و اصبح لها لون خاص بالعتابا يسمى
بالعتابا الجبورية ، و يشير النجرس بأن أكثر الباحثين اتفقوا بأن نشأة
العتابا كانت في شرق بلاد الشام و الشمال الغربي من العراق ، هو المكان
الذي ينطبق على سكن قبيلة الجبور .
يقول الشاعر :
أبد ما يروح طاريكم من البال بجيت و بللت زيجي من البال
يا قلبي شبه خايرة من البل تحن و عالولف تلوي ركاب
و
العتابا في الاصل نوع من الغناء الحزين ، فهي مرادفة للحزن و الفجيعة و
العتاب ، و النداءات و الحواشي التي يقال في بدايتها و نهايتها تدل على ذلك
،و هي ترجمة حقيقية لمعاناة الانسان مع نفسه و اهله ، و صعوابات الحياة ،
مع انتقالها من اطراف الصحراء و البادية الى المدن تعددت اغراضها ، فـشملت
المديح و الفخر و الحكمة ، و مال شعراؤها الى الغزل و التشبيب ، ووصف
المحبوبة ، و يرتكز غناء العتابا موسيقياً على نغم البيات ، و ممكن ان يغنى
على نغم الحجاز و بشكل اقل على نغم الصبا ، و يتفق الباحثون في التراث
الشعبي الغنائي على ان اكثر الموازين العروضية استعمالاً في نظم العتابا ،
هو ميزان البحر الوافر .
و من العتابا الغزلية :
أبات الليل أعد النجم بالجوز لعيون الفاصل المرجان بالجوز
نهودوا بيض لب القطن بالجوز يكب و يكعموا زيج الثياب
و أيضاً :
أريد أكوم و ما بالحيل كوةّ
نهودوا زامات الثوب كوةّ
لفاجن يا لحانا الشيب كوة
و بعد بنفوسنا طرد الهوا ..
أسطورة عبد الله الفاضل ..
يخلص
الباحث النجرس الى ان شخصية عبد الله الفاضل هي شخصية حقيقية فقد ولد في
شبه الجزيرة العربية ،و هاجر مع قبيلته الحسنة ( من عنزة ) الى بلاد الشام ،
و استلم قيادة عشيرته بعد وفاة ابيه فاضل ، و كان فارسا شجاعاً ، و شاعراً
، و لا تعرف المدة التي استلم بها رئاسة العشيرة فأصيب بالجدري ، و كان
المرض خطيرا و مخيفاً ، لاستحالة علاجه ، و البدو كانوا يخافون من العدو ،
فالمرض يودي الى الموت ، فتركه اهله ، هو و بعض الزاد ، و كلبه ، فأشفق
عليه بعض المارة و عالجوه الى ان شفي من مرضه ، فجادت قريحته بالشعر يشكي
به همومه ، و يعتب علي اهله ، و الدهر الذي ألحق به هذه المصائب ، و القصة
مشهورة جداً ، لكن اختلف الدارسون حول العتابا التي نظمها ، و بعضهم يقول :
ان الفاضل ولد في شبه الجزيرة العربية ،و لم يكن يعرف هذا اللون من الشعر ،
و هناك شعراء من قبيلته عاصروه و لم ينظموا هذا اللون من الشعر ،و يقول
النجرس : و هكذا نصل الي نتيجة مفادها ان ابيات العتابا المنسوبة لهذا
الشاعر ليست له ، بل هي لشخص ابتكره الخيال الجمعي ، و بدأت تتراكم عليه
الروايات .
و بالنتيجة فالشاعر موجود اذن ، لكن ما نسب اليه من لون
العتابا لا يمت له بصلة ، نورد بعض الابيات التي ذكرت على لسان شاعرنا
الفاضل ،او نسبت اليه :
هلي بالمركب العالي يشبون
و دوم سراج بالظلمة يشبون
هلي ما كادوا العاطف يشبون خلوهن خيل لطراد الضحى