أَحْكَامُ الرِّدَّةِ
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ
وَهِيَ قَطْعُ الإِسْلامِ بِاعْتِقَادٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلِ كُفْرٍ
(يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) مُكَلَّفٍ (حِفْظُ إِسْلامِهِ وَصَوْنُهُ
عَمَّا يُفْسِدُهُ وَيُبْطِلُهُ وَيَقْطَعُهُ وَهُوَ الرِّدَّةُ
وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى) وَذَلِكَ لأَنَّ الْكُفْرَ هُوَ أَكْبَرُ
الذُّنُوبِ وَأَشَدُّهَا (قَالَ) الإِمَامُ (النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ)
مِنَ الْعُلَمَاءِ (الرِّدَّةُ أَفْحَشُ) أَيْ أَقْبَحُ (أَنْوَاعِ
الْكُفْرِ) لأَنَّهَا تُحْبِطُ كُلَّ الْحَسَنَاتِ وَتُخْرِجُ صَاحِبَهَا
مِنَ الإِسْلامِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ إِلَى الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ بَاطِلٌ،
وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ "الرِّدَّةُ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ
الْكُفْرِ" أَنَّ الرِّدَّةَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ كُفْرًا لأَنَّ
كُفْرَ الْكَافِرِ الأَصْلِيِّ قَدْ يَكُونُ أَشَدَّ مِنْ كُفْرِ
الْمُرْتَدِّ، وَأَشَدُّ الْكُفْرِ نَفْيُ وُجُودِ اللَّهِ (وَقَدْ كَثُرَ
فِي هَذَا الزَّمَانِ) عِنْدَ الْجُهَّالِ مِنَ النَّاسِ (التَّسَاهُلُ فِي
الْكَلامِ حَتَّى إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ بَعْضِهِمْ أَلْفَاظٌ)
كُفْرِيَّةٌ (تُخْرِجُهُمْ عَنْ الإِسْلامِ وَلا يَرَوْنَ ذَلِكَ ذَنْبًا
فَضْلا عَنْ كَوْنِهِ) أَيْ مَعَ كَوْنِهِ (كُفْرًا) فَيَظُنُّونَ
أَنَّهُمْ بَعْدُ مُسْلِمُونَ (وَذَلِكَ مِصْدَاقُ) أَيْ مَا يُصَدِّقُهُ
(قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْعَبْدَ
لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ) أَيِ الْكُفْرِيَّةِ (لا يَرَى بِهَا
بِأْسًا) أَيْ لا يَعْتَبِرُهَا مَعْصِيَةً وَمَعَ ذَلِكَ (يَهْوِي بِهَا
فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا أَيْ مَسَافَةَ سَبْعِينَ عَامًا فِي
النُّزُولِ وَذَلِكَ مُنْتَهَى جَهَنَّمَ) أَيْ قَعْرُهَا (وَهُوَ خَاصٌّ
بِالْكُفَّارِ) كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ
(وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) فِي جَامِعِهِ (وَحَسَنَّهُ وَفِي
مَعْنَاهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ) الشَّيْخَانِ (الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوعِ
فِي الْكُفْرِ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ) فَالَّذِي يَتَلَفَّظُ بِالْكُفْرِ
الصَّرِيحِ بِاخْتِيَارِهِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ لِلْمَعْنَى يُحْكَمُ
عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ سَوَاءٌ عَرَفَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كُفْرٌ أَمْ
لَمْ يَعْرِفْ )وَلا( يُشْتَرَطُ لِلْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ (انْشِرَاحُ
الصَّدْرِ( لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يَرَى بِهَا
بِأْسًا" أَيْ لا يَظُنُّهَا ضَارَّةً لَهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ
مِنَ الْكَلامِ مَا يُخْرِجُ الإِنْسَانَ مِنَ الإِسْلامِ مِنْ غَيْرِ
فَرْقٍ بَيْنَ أَنَّ يَكُونَ مُنْشَرِحَ الْبَالِ أَوْ أَنْ يَكُوْنَ
غَيْرَ مُنْشَرِحِ البَالِ لِذَلِكَ الْقَوْلِ (وَلا) يُشْتَرَطُ
(اعْتِقَادُ مَعْنَى اللَّفْظِ) فَمَنْ تَلَفَّظَ بِالْكُفْرِ
بِإِرَادَتِهِ مَعَ فَهْمِهِ لِلْمَعْنَى كَفَرَ وَلَوْ كَانَ لا
يَعْتَقِدُ مَعْنَى الكَلامِ الَّذِي قَالَهُ وَلَيْسَ (كَمَا يَقُولُ)
سَيِّدُ سَابِقٍ الْمِصْرِيُّ فِي (كِتَابِ فِقْهِ السُّنَّةِ) "إِنَّ
الْمُسْلِمَ لا يُعْتَبَرُ خَارِجًا عَنِ الإِسْلامِ وَلا يُحْكَمُ
عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ إِلا إِذَا انْشَرَحَ صَدْرُهُ بِالْكُفْرِ
وَاطْمَأَنَّ قَلْبُهُ وَدَخَلَ فِي دِينٍ غَيْرِ الإِسْلامِ بِالْفِعْلِ"
وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ الْمَذْكُورِ
ءَانِفًا وَ(كَذَلِكَ لا يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ عَدَمُ
الْغَضَبِ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ) الإِمَامُ (النَّوَوِيُّ) حَيْثُ
(قَالَ لَوْ غَضِبَ رَجُلٌ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ غُلامِهِ) أَيْ عَبْدِهِ
(فَضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَلَسْتَ مُسْلِمًا
فَقَالَ لا مُتَعَمِّدًا) أَيْ بِغَيْرِ سَبْقِ لِسَانٍ (كَفَرَ) لأَنَّهُ
نَطَقَ بِهَذَا الْكَلامِ الْكُفْرِيِّ بِإِرَادَتِهِ (وَقَالَهُ غَيْرُهُ)
مِنَ الْعُلَمَاءِ (مِنْ حَنَفِيَّةٍ وَغَيْرِهِمْ وَالرِّدَّةُ ثَلاثَةُ
أَقْسَامٍ كَمَا قَسَّمَهَا) عُلَمَاءُ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ
كَـ(النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ شَافِعِيَّةٍ وَ) ابْنِ عَابِدِينَ
وَغَيْرِهِ مِنْ (حَنَفِيَّةٍ وَغَيْرِهِمْ) مِنَ الْعُلَمَاءِ
(اعْتِقَادَاتٌ) بِالْقَلْبِ (وَأَفْعَالٌ) بِالْجَوَارِحِ (وَأَقْوَالٌ)
بِاللِّسَانِ (وَكُلُّ) قِسْمٍ مِنَ الأَقْسَامِ الثَّلاثَةِ (يَتَشَعَّبُ
شُعَبًا) أَيْ يَتَفَرَّعُ فُرُوعًا (كَثِيرَةً فَمِنَ) الأَمْثِلَةِ عَلَى
الْقِسْمِ (الأَوَّلِ) أَيِ الْكُفْرِ الاِعْتِقَادِيِّ (الشَّكُّ فِي)
وُجُودِ (اللَّهِ أَوِ فِي) صِدْقِ (رَسُولِهِ) مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ فِي رِسَالَةِ رَسُولٍ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ
رِسَالَتُهُ مَعْلُومَةٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ (أَوِ) الشَّكُّ فِي
نُزُولِ (الْقُرْءَانِ) عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (أَوِ) فِي (الْيَوْمِ
الآخِرِ أَوِ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ) هَلْ تَكُونُ أَوْ لا (أَوِ) فِي
(الثَّوَابِ أَوِ الْعِقَابِ) أَيْ فِي وُجُودِهِمَا فِي الآخِرَةِ (أَوْ
نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ) وَعُلِمَ بِالضَّرُورَةِ
عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ (أَوِ اعْتِقَادُ قِدَمِ الْعَالَمِ وَأَزَلِيَّتِهِ
بِجِنْسِهِ وَتَرْكِيبِهِ) أَيْ بِمَادَّتِهِ وَأَفْرَادِهِ كَمَا قَالَتْ
قُدَمَاءُ الْفَلاسِفَةِ (أَوْ بِجِنْسِهِ فَقَطْ) كَمَا قَالَ
مُتَأَخِّرُوا الْفَلاسِفَةِ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي ذَلِكَ
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى كُفْرِ الْفَرِيقَيْنِ (أَوْ نَفْيُ
صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ) الثَّلاثَ عَشْرَةَ (الْوَاجِبَةِ لَهُ
إِجْمَاعًا كَكَوْنِهِ عَالِمًا أَوْ نِسْبَةُ مَا يَجِبُ تَنْزِيهُهُ
عَنْهُ إِجْمَاعًا كَـ) أَنْ يَصِفَهُ بِـ(الْجِسْمِ) وَهُوَ مَا لَهُ
طُولٌ وَعَرْضٌ وَسَمْكٌ (أَوْ تَحْلِيلُ مُحَرَّمٍ بِالإِجْمَاعِ
مَعْلُومٍ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ) عِلْمًا ظَاهِرًا يَشْتَرِكُ فِي
مَعْرِفَتِهِ الْعُلَمَاءُ وَالْعَامَّةُ وَكَانَ (مِمَّا لا يَخْفَى
عَلَيْهِ) حُرْمَتُهُ (كَالزِّنَى وَاللِّوَاطِ وَقَتْلِ الْمُسْلِمِ)
بِغَيْرِ حَقٍّ (وَالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ) أَمَّا إِنْ كَانَ الشَّخْصُ
أَسْلَمَ مِنْ قَرِيبٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُحَرِّمُونَ
الزِّنَى وَقَالَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ إِنَّ الزِّنَى لَيْسَ حَرَامًا
مَثَلا فَلا نُكَفِّرُهُ بَلْ نُعَلِّمُهُ (أَوْ تَحْرِيمُ حَلالٍ ظَاهِرٍ
كَذَلِكَ) أَيْ مَعْلُومٍ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ (كَالْبَيْعِ
وَالنِّكَاحِ أَوْ نَفْيُ وُجُوبِ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ كَذَلِكَ) بِأَنْ
كَانَ ظَاهِرًا (كَـ) الَّذِي يُنْكِرُ وُجُوبَ (الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ
أَوْ سَجْدَةٍ مِنْهَا وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ) فِي رَمَضَانَ
(وَالْحَجِّ وَالْوُضُوءِ) فَهَذَا رِدَّةٌ وَكُفْرٌ (أَوْ إِيجَابُ مَا
لَمْ يَجِبْ إِجْمَاعًا كَذَلِكَ) كَمَنْ أَوْجَبَ صِيَامَ شَهْرِ رَجَبٍ
(أَوْ نَفْيُ مَشْرُوعِيَّةِ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ كَذَلِكَ) أَيْ مَعْلُومٍ
مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ كَرَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ
الْخَمْسِ وَالْوِتْرِ (أَوْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ)
كَفَرَ فِي الْحَالِ (أَوْ) عَزَمَ (عَلَى فِعْلِ شَىْءٍ مِمَّا ذُكِرَ
أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ) بِأَنْ قَالَ أَفْعَلُ أَوْ لا أَفْعَلُ فَإِنَّهُ
يَكْفُرُ فِي الْحَالِ (لا خُطُورهُ فِي الْبَالِ بِدُونِ إِرَادَةٍ)
وَهُوَ مُعْتَقِدٌ الْحَقَّ اعْتِقَادًا جَازِمًا فَلا تَأْثِيرَ لِهَذَا
الْخُطُورِ فِي صِحَّةِ إِيمَانِهِ (أَوْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ سَيِّدِنَا
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) لِتَكْذِيبِهِ الْقُرْءَانَ لأَنَّ
اللَّهَ نَصَّ عَلَى صُحْبَتِهِ فِي الْقُرْءَانِ (أَوْ) أَنْكَرَ
(رِسَالَةَ وَاحِدٍ مِنَ الرُّسُلِ الْمُجْمَعِ عَلَى رِسَالَتِهِ)
كَمُحَمَّدٍ وَمُوسَى وَعِيسَى (أَوْ جَحَدَ حَرْفًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ
مِنَ الْقُرْءَانِ) مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ مِنْهُ (أَوْ زَادَ حَرْفًا
فِيهِ مُجْمَعًا عَلَى نَفْيِهِ) بِأَنْ زَادَهُ (مُعْتَقِدًا أَنَّهُ
مِنْهُ عِنَادًا) لا ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ مِنَ الْقُرْءَانِ، وَأَمَّا
مَنْ زَادَ حَرْفًا فِي الْقِرَاءَةِ جَهْلا مِنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَعْتَقِدَ أَنَّهُ قُرْءَانٌ فَإِنَّهُ لا يَكْفُرُ (أَوْ كَذَّبَ رَسُولا
أَوْ نَقَّصَهُ) بِأَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ مَا لا يَلِيقُ بِهِ (أَوْ
صَغَّرَ اسْمَهُ) كَأَنْ قَالَ عَنْ مُوسَى مُوَيْسَى (بِقَصْدِ
تَحْقِيرِهِ) أَيْ إِهَانَتِهِ (أَوْ جَوَّزَ نُبُوَّةَ أَحَدٍ) بِأَنْ
قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فُلانٌ نَزَلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ (بَعْدَ
نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِمَّنْ لَمْ
يُنَبَّأْ قَبْلَ مُحَمَّدٍ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ
الرِّدَّةِ (الأَفْعَالُ) وَذَلِكَ (كَسُجُودٍ لِصَنَمٍ) وَهُوَ مَا
اتُّخِذَ لِيُعْبَدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ (أَوْ شَمْسٍ) مُطْلَقًا أَيْ
(إِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَهُمَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) فَهُوَ
كُفْرٌ بِلا تَفْصِيلٍ (وَالسُّجُودِ لإِنْسَانٍ إِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ
الْعِبَادَةِ لَهُ كَسُجُودِ بَعْضِ الْجَهَلَةِ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ
الْمُتَصَوِّفِينَ أَيْ إِذَا كَانَ سُجُودُهُمْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ
لِمَشَايِخِهِمْ فَإِنَّهُ يَكُونُ عِنْدَئِذٍ كُفْرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَهُمْ) كَأَنْ سَجَدُوا لَهُمْ عَلَى وَجْهِ
التَّحِيَّةِ فَـ(لا يَكُونُ كُفْرًا لَكِنَّهُ حَرَامٌ) فِي شَرْعِ
سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالْقِسْمُ
الثَّالِثُ) مِنْ أَقْسَامِ الرِّدَّةِ (الأَقْوَالُ وَهِيَ كَثِيرَةٌ
جِدًّا لا تَنْحَصِرُ مِنْهَا أَنْ يَقُولَ) الشَّخْصٌ (لِمُسْلِمٍ يَا
كَافِرُ أَوْ يَا يَهُودِيُّ أَوْ يَا نَصْرَانِيُّ أَوْ يَا عَدِيمَ
الدِّينِ) أَيْ يَا مَنْ لا دِينَ لَهُ (مُرِيدًا بِذَلِكَ) الْقَوْلِ
(أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُخَاطَبُ مِنَ الدِّينِ كُفْرٌ أَوْ
يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ لَيْسَ بِدِينٍ) فَهَذِهِ رِدَّةٌ
تُخْرِجُ قَائِلَهَا مِنَ الإِسْلامِ (لا) إِنْ قَالَ ذَلِكَ (عَلَى قَصْدِ
التَّشْبِيهِ) وَمُرَادُهُ أَنَّكَ تُشْبِهُ الكُفَّارَ فِي خَسَاسَةِ
أَفْعَالِكَ فَلا يَكْفُرُ لَكِنَّهُ حَرَامُ يَفْسُقُ قَائِلُهُ
(وَكَالسُّخْرِيَّةِ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَوْ وَعْدِهِ)
بِالْجَنَّةِ وَمَا أَعَدَّ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ (أَوْ وَعِيدِهِ)
بِالنَّارِ وَمَا أَعَدَّ فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ (مِمَّنْ لا يَخْفَى
عَلَيْهِ نِسْبَةُ ذَلِكَ) الْوَعْدِ أَوِ الْوَعِيدِ (إِلَيْهِ
سُبْحَانَهُ) وَذَلِكَ كَقَوْلِ بَعْضِ السُّفَهَاءِ عِنْدَ ذِكْرِ
جَهَنَّمَ: "غَدًا نَتَدَفَّأُ بِهَا" لأَنَّ هَذَا يَتَضَمَّنُ تَكْذِيبَ
اللَّهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ شِدَّةِ نَارِ جَهَنَّمَ (وَكَأَنْ
يَقُولَ) الشَّخْصُ (لَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ بِكَذَا لَمْ أَفْعَلْهُ أَوْ)
قَالَ (لَوْ صَارَتِ الْقِبْلَةُ فِي جِهَةِ كَذَا مَا صَلَّيْتُ
إِلَيْهَا أَوْ) قَالَ (لَوْ أَعْطَانِي اللَّهُ الْجَنَّةَ مَا
دَخَلْتُهَا) عَلَى وَجْهِ الاِسْتِخْفَافِ بِالْكُلِّ، وَهَذِهِ
الْعِبَارَاتُ تُسْتَعْمَلُ فِي الْغَالِبِ لِلاِسْتِخْفَافِ لَكِنْ قَدْ
يَقُولُهَا بَعْضُهُمْ وَلا يَفْهَمُ مِنْهَا الاِسْتِخْفَافَ فَإِنْ قَالَ
ذَلِكَ (مُسْتَخِفًّا أَوْ مُظْهِرًا لِلْعِنَادِ فِي الْكُلِّ)
فَحُكْمُهُ التَّكْفِيرُ (وَكَأنْ يَقُولَ) شَخْصٌ فِي حَالِ مَرَضِهِ
بَعْدَ أَنْ أُمِرَ بِالصَّلاةِ (لَوْ ءَاخَذَنِي اللَّهُ) أَيْ لَوْ
عَاقَبَنِي (بِتَرْكِ الصَّلاةِ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمَرَضِ
ظَلَمَنِي) كَفَرَ لأَنَّهُ نَسَبَ الظُّلْمَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ
قَالَ لِفِعْلٍ حَدَثَ هَذَا بِغَيْرِ تَقْدِيرِ اللَّهِ) سَوَاءٌ كَانَ
هَذَا الْفِعْلُ خَيْرًا أَوْ شَرًّا (أَوْ) قَاَل (لَوْ شَهِدَ عِنْدِي
الأَنْبِيَاءُ أَوِ الْمَلائِكَةُ أَوْ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ بِكَذَا مَا
قَبِلْتُهُمْ) أَيْ مَا صَدَّقْتُهُمْ فَهُوَ كَافِرٌ بِلا تَفْصِيلٍ
(أَوْ قَالَ لا أَفْعَلُ كَذَا وَإِنْ كَانَ سُنَّةً بِقَصْدِ
الاِسْتِهْزَاءِ) بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ كَفَرَ (أَوْ) قَالَ (لَوْ
كَانَ فُلانٌ نَبِيًّا مَا ءَامَنْتُ بِهِ) كَفَرَ لأَنَّهُ اسْتَخَفَّ
بِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ (أَوْ أَعْطَاهُ عَالِمٌ فَتْوَى) صَحِيحَةً
(فَقَالَ أَيْشٍ) أَيْ أَيُّ شَىْءٍ (هَذَا الشَّرْعُ مُرِيدًا) بِقَوْلِهِ
هَذَا (الاِسْتِخْفَافَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ) وَالاِعْتِرَاضَ عَلَيْهِ
فَهُوَ كَافِرٌ بِلا خِلافٍ (أَوْ قَالَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ
عَالِمٍ مُرِيدًا الاِسْتِغْرَاقَ الشَّامِلَ) أَيْ أَرَادَ التَّعْمِيمَ
لِجَمِيعِ الْعُلَمَاءِ كَفَرَ (أَمَّا مَنْ لَمْ يُرِدِ الاِسْتِغْرَاقَ
الشَّامِلَ لِجَمِيعِ الْعُلَمَاءِ بَلْ أَرَادَ لَعْنَ عُلَمَاءَ
زَمَانِهِ) لأَنَّهُ لا يَعْلَمُ فِيهِمْ خَيْرًا (وَكَانَتْ هُنَاكَ
قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ مَا أَرَادَ
الشُّمُولَ كَأَنْ كَانَ ذَكَرَ عُلَمَاءَ فَاسِدِينَ فَقَالَ لَعْنَةُ
اللَّهِ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ فَيُحْمَلُ كَلامُهُ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ مِنْ
هَذَا الصِّنْفِ (لِمَا يَظُنُّ بِهِمْ مِنْ فَسَادِ أَحْوَالِهِمْ
فَإِنَّهُ لا يَكْفُرُ وَإِنْ كَانَ كَلامُهُ لا يَخْلُو مِنَ
الْمَعْصِيَةِ) وَالْقَصْدُ وَحْدَهُ بِلا قَرِينَةٍ لا يَدْفَعُ عَنْهُ
التَّكْفِيرَ (أَوْ قَالَ أَنَا بَرِئٌ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنَ
الْمَلاَئِكَةِ أَوْ مِنَ النَّبِيِّ) الْمُرْسَلِ (أَوْ مِنَ
الشَّرِيعَةِ) الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ وَهِيَ
العَقِيدَةُ والأَحكَامُ (أَوْ مِنَ الإِسْلاَمِ) فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَعنَى
"تَبَرَّأَ مِن كَذَا" نَفَاهُ وَأَنكَرَهُ وَجَحَدَهُ (أَوْ) قِيل َلَهُ:
لِمَ فَعَلْتَ هَذَا الْحَرَامَ أَلا تَعْرِفُ حُكْمَهُ؟ فـَ(قَالَ لا
أَعْرِفُ الْحُكْمَ مُسْتَهْزِئًا بِحُكْمِ اللَّهِ) كَفَرَ (أَوْ قَالَ
وَقَدْ مَلأَ وِعَاءً) شَرَابًا (﴿وَكَأْسًا دِهَاقَا﴾) بِقَصْدِ
الاِسْتِخْفَافِ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ
مِنَ الْكَأْسِ الْمُمْتَلِئ ِشَرَابًا هَنِيئًا فَقَدْ كَفَرَ (أَوْ
أَفْرَغَ شَرَابًا) مِنْ إِنَاءٍ (فَقَالَ) مُسْتَخِفًّا بِالآيَةِ
(﴿فَكَانَتْ سَرَابًا﴾) كَفَرَ (أَوْ) قَالَ (عِنْدَ وَزْنٍ أَوْ كَيْلٍ
﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾) بِقَصْدِ
الاِسْتِخْفَافِ بِالآيَةِ، وَمُرَادُهُ أَنَّ هَذَا شّيْئًا لا بَأْسَ
بِهِ وَلَوْ كَانَ مَنْ فَعَلَهُ مَذْمُومًا عِنْدَ اللَّهِ (أَوْ قَالَ
عِنْدَ رُؤْيَةِ جَمْعٍ) أَيْ بَعْدَ أَنْ جَمَعَ النَّاسَ فَاجْتَمَعُوا
(﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدَا﴾) مُرِيدًا أَنَّ
هَذَا هُوَ الْحَشْرُ الْمُعْتَبَرُ وَلَيْسَ الْحَشْرَ الَّذِي يَكُونُ
يَوْمَ القِيَامَةِ (بِقَصْدِ الاِسْتِخْفَافِ فِي الْكُلِّ بِمَعْنَى
هَذِهِ الآيَاتِ) الأَرْبَعَةِ فَهُوَ كَافِرٌ (وَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ
اسْتَعْمَلَ) الشَّخْصُ (فِيهِ) ءَايَاتِ (الْقُرْءَانِ بِذَلِكَ
الْقَصْدِ) أَيْ بِقَصْدِ الاِسْتِخْفَافِ بِالْقُرْءَانِ (فَإِنْ كَانَ)
اسْتَعْمَلَهَا (بِغَيْرِ ذَلِكَ الْقَصْدِ) أَيْ بِغَيْرِ قَصْدِ
الاِسْتِخْفَافِ (فَلا يَكْفُرُ لَكِنْ) هُوَ حَرَامٌ وَقَدْ (قَالَ
الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ) الْهَيْتَمِيُّ (لا تَبْعُدُ حُرْمَتُهُ)
لأَنَّهُ إِسَاءَةُ أَدَبٍ مَعَ الْقُرْءَانِ (وَكَذَا يَكْفُرُ مَنْ
شَتَمَ نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا) كَجِبْرِيلَ وَعَزْرَائِيلَ وَمُنْكَرٍ
وَنَكِيرٍ (أَوْ قَالَ أَكُونُ قَوَّادًا إِنْ صَلَّيْتُ أَوْ مَا أَصَبْتُ
خَيْرًا مُنْذُ صَلَّيْتُ) لأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ بِالصَّلاةِ،
وَالقَوَّادُ هُوَ الَّذِي يَجْلِبُ الزَّبَائِنَ لِلزَّانِيَاتِ (أَوْ)
قَالَ بَعْدَ أَنْ أُمِرَ بِالصَّلاةِ (الصَّلاةُ لا تَصْلُحُ لِي بِقَصْدِ
الاِسْتِهْزَاءِ) بِخِلافِ مَا لَوْ قَالَتِ امْرَأَةٌ حَائِضٌ ذَلِكَ
وَقَصْدُهَا أَنَّهُ لا تَجُوزُ لَهَا الصَّلاةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ
فَلا تَكْفُرُ (أَوْ قَالَ لِمُسْلِمٍ أَنَا عَدُوُّكَ وَعَدُوُّ
نَبِيِّكَ) لِمَا فِيهِ مِنَ الاِسْتِخْفَافِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ) قَالَ (لِشَرِيفٍ) وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إِلَى
الْحَسَنِ أَوِ الْحُسَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا ابْنَا بِنْتِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَا عَدُوُّكَ وَعَدُوُّ
جَدِّكَ مُرِيدًا) بِقَوْلِهِ جَدِّكَ (النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) أَمَّا إِذَا أَرَادَ جَدًّا لَهُ أَدْنَى وَلَمْ يُرِدِ
النَّبِيَّ فَلاَ نُكَفِّرُهُ )أَوْ يَقُولَ شَيْئًا مِنْ نَحْوِ هَذِهِ
الأَلْفَاظِ الْبَشِعَةِ الشَّنِيعَةِ( حَفِظَنَا اللَّهُ مِنْهَا )وَقَدْ
عَدَّ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ( مِنَ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ
)كَالْفَقِيهِ الْحَنَفِيِّ بَدْرِ الرَّشِيدِ( فِي رِسَالَتِهِ الَّتِي
أَلَّفَهَا فِي بَيَانِ الأَلْفَاظِ الْمُكَفِّرَةِ )وَالْقَاضِي عِيَاضٍ
المَالِكِيِّ( فِي كِتَابِهِ الشِّفَا )رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَشْيَاءَ
كَثِيرَةً( وَهَذَا مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ لأَنَّ فِي ذَلِكَ
إِنْقَاذًا لِلنَّاسِ مِنَ الْكُفْرِ وَتَحْذِيرًا لَهُمْ مِنَ الْوُقُوعِ
فِيهِ )فَيَنْبَغِي الاِطِّلاعُ عَلَيْهَا فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ
الشَّرَّ يَقَعُ فِيهِ وَالْقَاعِدَةُ( فِي ذَلِكَ )أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ(
أَيِ اعْتِقَادٍ )أَوْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْفَافٍ
بِاللَّهِ أَوْ كُتُبِهِ أَوْ رُسُلِهِ أَوْ مَلائِكَتِهِ أَوْ شَعَائِرِهِ
أَوْ مَعَالِمِ دِينِهِ) وَالشَّعَائِرُ وَالْمَعَالِمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ
وَهُوَ مَا كَانَ ظَاهِرًا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ كَالصَّلاةِ وَالأَذَانِ
وَالْمَسَاجِدِ (أَوْ أَحْكَامِهِ أَوْ وَعْدِهِ( بِالْجَنَّةِ
وَالثَّوَابِ )أَوْ وَعِيدِهِ( بِالنَّارِ وَالْعَذَابِ )كُفْرٌ
فَلْيَحْذَرِ الإِنْسَانُ مِنْ ذَلِكَ جَهْدَهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ( أَيْ
لِيَعْمَلِ الإنْسَانُ عَلَى تَجَنُّبِ ذَلِكَ كُلِّهِ غَايَةَ
مُسْتَطَاعِهِ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ خَسِرَ الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ.
)فَصْلٌ( فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِ (يَجِبُ
عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي الرِّدَّةِ( سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى
)الْعَوْدُ فَوْرًا إِلَى الإِسْلامِ( وَيَكُونُ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ
)بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ( وَهُمَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا
اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ )وَالإِقْلاعِ عَمَّا
وَقَعَتْ بِهِ الرِّدَّةُ( أَيْ تَرْكِ السَّبَبِ الَّذِي حَصَلَتْ بِهِ
الرِّدَّةُ. )وَيَجِبُ عَلَيْهِ( لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ
أَمْرَانِ )النَّدَمُ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ وَالْعَزْمُ( أَيِ
التَّصْمِيمُ الْمُؤَكَّدُ بِالْقَلْبِ )عَلَى أَنْ لا يَعُودَ لِمِثْلِهِ(
فَلَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرِ النَّدَمَ فِي قَلْبِهِ وَلا الْعَزْمَ عَلَى
أَنْ لا يَعُودَ لِمِثْلِهِ إِنَّمَا تَرَكَ الشَّىْءَ الَّذِي هُوَ
رِدَّةٌ وَتَشَهَّدَ صَحَّ إِسْلامُهُ وَلَكِنْ يَبْقَى عَلَيْهِ النَّدَمُ
عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْهَا
لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ )فَإِنْ لَمْ يَرْجِعِ) الْمُرْتَدُّ (عَنْ
كُفْرِهِ بِالشَّهَادَةِ وَجَبَتِ اسْتِتَابَتُهُ( أَيْ يَجِبُ عَلَى
الْخَلِيفَةِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الرُّجُوعَ إِلَى الإِسْلامِ )وَلا
يُقْبَلُ مِنْهُ إِلا الإِسْلامُ أَوِ الْقَتْلُ بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ
الرِّدَّةِ (يُنَفِّذُهُ عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ) أَيْ يَقْتُلُهُ وُجُوبًا
(بَعْدَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ إِلَى الإِسْلامِ) وَأَمَّا
قَبْلَ الاِسْتِتَابَةِ فَلا يَجُوزُ )وَيَعْتَمِدُ الْخَلِيفَةُ فِي
ذَلِكَ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ( ذَكَرَيْنِ )عَدْلَيْنِ أَوْ عَلَى
اعْتِرَافِهِ وَذَلِكَ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ
فَاقْتُلُوهُ") أَيْ مَنْ تَرَكَ الإِسْلامَ فَاقْتُلُوهُ إِنْ لَمْ
يَرْجِعْ (وَ) مِنْ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ أَنَّهُ )يَبْطُلُ بِهَا( أَيْ
بِالرِّدَّةِ )صَوْمُهُ( لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ مِنَ الْكَافِرِ
(وَتَيَمُّمُهُ( وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَلا يَنْتَقِضُ بِالرِّدَّةِ (وَ)
يَبْطُلُ بِهَا أَيْضًا عَقْدُ )نِكَاحِهِ( بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الرِّدَّةِ
مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ )قَبْلَ الدُّخُولِ( بِالزَّوْجَةِ َولاَ بُدَّ
لَهُ مِنْ عَقْدٍ جَدِيدٍ، )وَكَذَا( يَبْطُلُ النِّكَاحُ إِذَا حَصَلَتِ
الرِّدَّةُ )بَعْدَهُ( أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ )إِنْ لَمْ يَعُدِ(
الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا إِلَى )الإِسْلامِ فِي الْعِدَّةِ( فَلا بُدَّ
لَهُمَا حِينَئِذٍ مِنْ عَقْدٍ جَدِيدٍ فَإِنْ عَادَ إِلَى الإِسْلامِ
قَبْلَ انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ تَبَيَّنَ بَقَاءُ النِّكَاحِ
وَاسْتِمْرَارُهُ بَيْنَهُمَا بِلا تَجْدِيدٍ وَالْعِدَّةُ ثَلاثَةُ
أَطْهَارٍ لِذَوَاتِ الْحَيْضِ وَثَلاثَةُ أَشْهُرٍ لِمَنْ لا تَحِيضُ
وَلِلْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا (وَ) الْمُرْتَدُّ )لا يَصِحُّ
عَقْدُ نِكَاحِهِ عَلَى مُسْلِمَةٍ وَ( لا عَلَى مُرْتَدَّةٍ مِثْلِهِ ولا
)غَيْرِهَا( حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الإِسْلامِ (وَتَحْرُمُ ذَبِيحَتُهُ(
لأَنَّهَا مَيْتَةٌ لا يَحِلُّ أَكْلُهَا )وَلا يَرِثُ( الْمُرْتَدُّ
قَرِيبَهُ الْمُسْلِمَ إِذَا مَاتَ بِالإِجْمَاعِ )وَلا يُورَثُ( أَيْ لا
يَرِثُهُ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ إِذَا مَاتَ )وَلا( يَجُوزُ أَنْ )يُصَلَّى
عَلَيْه) لِكُفْرِهِ (وَلا( يَجِبُ أَنْ )يُغَسَّلَ وَلا يُكَفَّنَ(
فَلَوْ غُسِّلَ أَوْ كُفِّنَ لَمْ يَحْرُمْ )وَلا( يَجُوزُ أَنْ )يُدْفَنَ
فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ( لأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِهِمْ )وَمَالُهُ(
بَعْدَ مَوْتِهِ )فَيْءٌ أَيْ لِبَيْتِ الْمَالِ إِنْ كَانَ( أَيْ وُجِدَ
)بَيْتُ مَالٍ مُسْتَقِيمٌ أَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ( بَيْتُ مَالٍ
مُسْتَقِيمٌ كَمَا هُوَ عَلَيْهِ الْحَالُ الْيَوْمَ )فَإِنْ تَمَكَّنَ
رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ أَخْذِهِ وَصَرْفِهِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ
فَعَلَ ذَلِكَ( وَلَهُ ثَوَابٌ.
)فَصْلٌ( فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ
وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ )يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَدَاءُ
جَمِيعِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ( كَالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ )وَيَجِبُ عَلَيْهِ( أَيْضًا )أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَلَى مَا
أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الإِتْيَانِ بِأَرْكَانِهِ( وَالرُّكْنُ مَا لا
يَصِحُّ الْعَمَلُ إِلا بِهِ وَهُوَ جُزْءٌ مِنَ الْعَمَلِ )وَشُرُوطِهِ(
وَالشَّرْطُ مَا لا يَصِحُّ الْعَمَلُ إِلا بِهِ وَلَيْسَ جُزْءًا مِنَ
الْعَمَلِ )وَيَجْتَنِبَ مُبْطِلاَتِهِ( فَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ
يَعْرِفَ مَا يُبْطِلُ هَذِهِ الْفَرَائِضَ حَتَّى يَجْتَنِبَهَا )وَيَجِبُ
عَلَيْهِ( أَيْ عَلَى الْمُكَلَّفِ )أَمْرُ مَنْ رَءَاهُ تَارِكَ شَىْءٍ
مِنْهَا( أَيْ مِنَ فَرَائِضِ اللَّهِ )أَوْ يَأْتِي بِهَا عَلَى غَيْرِ
وَجْهِهَا( أَيْ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ
(بِالإِتْيَانِ بِهَا عَلَى وَجْهِهَا) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي
تَصِحُّ بِهِ (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) إِنْ عَلِمَ شَخْصًا يُخِلُّ بِفَرْضٍ
أَوْ يَأْتِي بِمُبْطِلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ (قَهْرُهُ) وَإِرْغَامُهُ
(عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى تَأْدِيَةِ الْفَرَائِضِ عَلَى وَجْهِهَا (إِنْ
قَدَرَ عَلَيْهِ) بِقَهْرِهِ وَأَمْرِهِ (وَإِلا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ
قَادِرًا عَلَيْهِ (وَجَبَ عَلَيْهِ الإِنْكَارُ) أَيْ كَرَاهِيَةُ فِعْلِ
هَذَا الإِنْسَانِ الْمُخَالِفِ لِلشَّرْعِ (بِقَلْبِهِ إِنْ عَجَزَ عَنِ
الْقَهْرِ وَالأَمْرِ وَذَلِكَ) الإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ (أَضْعَفُ
الإِيمَانِ أَيْ أَقَلُّ مَا يَلْزَمُ الإِنْسَانَ عِنْدَ الْعَجْزِ)
لِيَسْلَمَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ (وَيَجِبُ) عَلَى الْمُكَلَّفِ (تَرْكُ
جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ) الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ (وَنَهْيُ
مُرْتَكِبِهَا وَمَنْعُهُ قَهْرًا مِنْهَا إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) أَيْ إِنِ
اسْتَطَاعَ الإِنْكَارَ بِالْيَدِ أَوِ الْقَوْلِ (وَإِلا) بِأَنْ عَجَزَ
عَنْ ذَلِكَ (وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ) الْحَرامَ
(بِقَلْبِهِ)، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لاَ يُؤَدِّيَ إِنْكَارُهُ إِلَى
مُنْكَرٍ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِك الْمُنْكَرِ وَإِلاَّ فَلا يَجُوزُ
(وَالْحَرَامُ) هُوَ (مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ مُرْتَكِبَهُ) أَيْ فَاعِلَهُ
(بِالْعِقَابِ وَوَعَدَ تَارِكَهُ) امْتِثَالاً لأَمْرِ اللَّهِ
(بِالثَّوَابِ وَعَكْسُهُ الْوَاجِبُ) وَهُوَ مَا فِي فِعْلِهِ امْتِثَالا
ثَوَابٌ وَفِي تَرْكِهِ عِقَابٌ.