في مطار لاغوس
وصلنا إلى مطار لاغوس فكنت
أشعر بالخوف والرعب في بلد غريب ومن أناس يتكلمون بلغة لا نفهمها، وهم يجيدون
اللغة المحلية والإنجليزية، وكان زوجي يتكلم معهم بالإنجليزية – وللعلم يوجد في
نيجيريا أكثر من مائتي لغة مختلفة غير اللهجات- وكنت كالبكماء لا أفهم ولا
أتكلم، فقط أتفرج وأشاهد مخلوقات الله، وكنا غريبين حقاً في المطار بحجابي وثوب
زوجي الأبيض الناصع البياض، بينما الناس هناك يلبسون الملابس الملونة الغريبة.
خرجنا من المطار وكان في استقبالنا سيارتان فيها
عدد من الدعاة لكنهم كانوا يتكلمون مع زوجي بالإنجليزية ولا يجيدون العربية، ثم
انطلقنا ودخلنا شوارع لاغوس فرأيت عالماً غريباً، فتحت عيني بكل قوة لأنظر إلى
عالم مختلف جذرياً عما تعودت عليه، وكنت أشير لزوجي كلما رأيت شيئاً غريباً،
وكذلك كان يفعل، أدركت كم هو ممتع التعرف على العالم من حولنا، كم هو جميل أن
تكسر (الروتين) الذي تعودت عليه لترى ما لم تر عينك من قبل من العجائب
والغرائب.
نزلنا وكانت السماء ملبدة بالغيوم والجو لطيفاً
فقلت في نفسي: (الله يرحم حالنا في تنور الرياض وسمومه الحارق).
سارت بنا السيارة إلى مسجد ليس بالبعيد من لاغوس
فوجدنا جمعاً من الدعاة الأفاضل في استقبالنا ومعهم إحدى الداعيات لاستقبالي –
وكانت تلك المرأة تجيد العربية بطلاقة – وهذا من حسن أخلاقهم وجميل أدبهم.
دخلنا إلى مصلى النساء فأصرت عليّ الأخت الداعية
أن أصلي بها جماعة فصليت بها وأدينا الصلاة جمعاً وقصراً في المسجد ثم انطلقنا
إلى مقرنا فمررنا بمدينة (إيبادان) وتوقفنا فيها قليلاً، وهي أكبر المدن
الإفريقية في غرب إفريقيا حيث يزيد سكانها على عشرة ملايين نسمة بل قد يصل إلى
خمسة عشر مليون – يعني باختصار حارة من حاراتها تساوي عدد سكان بعض الدول-
توقفنا فيها لصرف النقود وشراء بعض الحاجيات لأن القرية قد لا نجد فيها بعض
الضروريات مثل المكرونة والشطة التي تعودنا عليها.. مدينة غريبة يصعب وصفها لكن
باختصار هي مدينة الرياض قبل خمسين سنة لكن وسط طبيعة خلابة ساحرة وأدغال
كثيفة، كانت الأغنام مختلطة في الشوارع مع البشر، ولا تدري هل الشارع ممر أغنام
أم طريق س*****ت؟.. حتى أغنامهم كانت غريبة فهي صغيرة جداً وقصيرة وتزاحم
السيارات لكنها محترفة في تفادي الاصطدام بالس*****ت لخبرتها الطويلة والتي كانت
مثار إعجابي بها! مما يدل أنها تعمل عقولها أكثر من بعض الناس.
صرف زوجي مبلغ أربعمائة دولار مبدئياً كمصروف
يومين أو ثلاثة فيما كنا نظن، ولكن لم يخطر ببالنا أنه سيكفي لمدة الإقامة كلها
بل ويبقى أكثر من نصفه، حيث بلغ المبلغ سبعة وخمسين ألف نيرة وهو مبلغ كبير
يكفي لشراء عشرة هكتارات زراعية أي أكثر من مائة ألف متر مربع، باختصار شراء حي
كامل هناك في ضواحي المدن المتوسطة، والمصيبة أن المبلغ كبير إلى درجة أنه إذا
وضع في (كيسة) لا يتسع الجيب العادي لإخفائه وحمله، وذكرني ذلك بصورة كنت
رأيتها لنقود ألمانيا حينما هزمت وفرضت عليها غرامة تكاليف الحرب فانخفضت
عملتها إلى درجة أن شراء بعض الخبز يتطلب حمل سلة كبيرة مملوءة بالنقود يحملها
شخصان.
توجهنا من (إيبادان) إلى مدينة (إيوو) مقر إقامتنا
ومكان إقامة الملتقى الدعوي، وفي الطريق كنت أتبادل مع زوجي كلمات الإعجاب
بالطبيعة الساحرة والمناظر الخلابة التي كانت في الطريق الذي يشق الأدغال
والمزارع بصورة جميلة بشكل يجعل المسافر لا يمل من السفر بل يستمتع بالسفر
فيها، فالأشجار والأنهار والعشب والزروع والثمار وغيرها تتكلم بلغة لا يفهمها
إلا من رآها، وتجعلك تعجز عن الكلام وتقول سبحان الخالق، وهذا هو الفرق بين
إفريقيا وبلاد الغرب فإفريقيا: الطبيعة على حالها بدون تدخل الإنسان إما في
الغرب والشرق فقد شوه الإنسان الطبيعة الخلابة، هناك حيث الأدغال والغابات
الطبيعية التي لا تستطيع المشي فيها من كثافتها وتشابكها وكثرة أغصانها
وأشجارها.
أردنا الحصول على بعض المشروبات الغازية فاكتشفنا
أنها عملية معقدة وصعبة حيث لا توجد المشروبات التي تعودنا عليها وتحرّج الإخوة
معنا كثيراً لأنهم لم يجدوا من يبيعها بسهولة ثم عثروا على أشياء تشبه
المشروبات فأخذناها مجاملة ونسينا أمر المشروبات إلى أجل غير مسمى، ثم بعد عدة
أيام عثرنا على بعضها ففرحنا بها.
في الطريق – (وكالعادة ناس ما شافوا خير)- كنا
نصور كل شيء كالمجانين، ومن فرط اللقافة صورنا رجال الشرطة الذين كانوا
يستوقفون الناس في الطريق فغضب الشرطي وأوقفنا – ثم تكلم معه الإخوة وبعد فترة
هداه الله وفك أسرنا وعلمنا فيما بعد السبب حيث أن (كاميرتنا) الفضولية صورتهم
وهم يستلمون الرشوة من س*****ت الأجرة كما هي عادة الشرطة هناك فظن أننا نريد
إيذاءه.