جهنَّم حق غيبي وجب على المؤمنين الموحدين اعتقاده والإيمان به، وهي مثوى
الكافرين يوم القيامة، خلقها الحق تبارك وتعالى لتكون جزاءً للمتكبرين
الذين عصوا الله وعصوا رسله وأنبياءه، وجحدوا نعمة الله ولم يعبدوه بل
أشركوا معه في الألوهية غيره.
وجهنم سعير من النيران مشتعل دائمًا لا
ينطفئ أبدًا، أعدها الله عذابًا لمن قضى عليه ذلك، وقد ورد ذكرها كثيرًا في
القرآن الكريم وفي آيات متعددة وبصور مختلفة. وألوان العذاب في جهنم
متعددة وكثيرة. ومن الناس من يدخل جهنم خالدًا فيها أبدًا لا يموت فيها ولا
يحيا ﴿الذي يصلى النار الكبرى ¦ ثم لا يموت فيها ولا يحيا﴾ الأعلى:12، 13 .
﴿إنه من يأت ربه مجرمًا فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا﴾ طه: 74 .
﴿والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولايخفف عنهم من عذابها﴾
فاطر: 36 .
والنار لا تمتلئ أبدًا ولا تضيق بأهلها بل تتسع لكل شيء
﴿يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد﴾ ق: 30 . ولجهنم حراس من
الملائكة خزنة على رأسهم مالك ﴿ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم
ماكثون﴾ الزخرف: 77 . ﴿و قال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف
عنا يومًا من العذاب﴾ غافر: 49 .
وكل شيء خبيث سيلقى في النار قال
تعالى: ﴿ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعًا فيجعله في جهنم﴾ الأنفال
37 . ويقول أيضًا: ﴿ويل لكل همزة لمزة ¦ الذي جمع مالاً وعددهُ ¦ يحسب أن
ماله أخلده ¦ كلا لينبذن في الحطمة ¦ وما أدراك ما الحطمة ¦نار الله
الموقدة ¦ التي تطلع على الأفئدة ¦ إنها عليهم مؤصدة ¦ في عمدٍ ممددة﴾ سورة
الهُمزة . وقال تعالى أيضًا: ﴿إنكم وماتعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم
لها واردون﴾ الأنبياء : 98 . والاستعاذة من جهنم أمر واجب بالضرورة، استعاذ
منها الرسول ³في دعائه فقال: (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والمغرم
والمأثم، اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار، وفتنة النار، وفتنة القبر،
وعذاب القبر ) رواه البخاري بسنده عن عائشة، رضي الله عنها. ويقول القرآن
الكريم: ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النَّار﴾
البقرة : 201 . وقد وصف الحق تعالى عباده أنَّهم دائمًا مستعيذون من نار
جهنَّم فقال: ﴿والذين يقولون ربنا اصرف عنَّا عذاب جهنَّم إن عذابها كان
غرامًا ¦ إنها ساءت مستقرًا ومقامًا ﴾ الفرقان : 65، 66.
وهناك من الناس
من يدخل النار فترة أو مدة معينة حسبما قضى الله له حتى يتطهر من ذنوبه
وبعدها يتوب الله عليه فيدخل الجنَّة، وهناك من يُخلّد فيها.
ولجهنم
أسماء عديدة منها: الحطمة، والنار، والسعير، وسقر ﴿ما سلككم في سقر ¦قالوا
لم نك من المصلين ¦ولم نك نطعم المسكين ¦وكنا نخوض مع الخائضين ¦وكنا نكذب
بيوم الدين ¦حتى أتانا اليقين﴾ المدثر: 42ـ47 . ومن أسمائها أيضًا لظى ﴿كلا
إنها لظى ¦نزاعة للشوى﴾ المعارج: 15 ، 16 . وأيضًا الجحيم ﴿لترون الجحيم﴾
التكاثر: 6 . والهاوية ﴿وأما من خفت موازينه ¦ فأمه هاوية ¦ وما أدراك ما
هيه ¦نارٌ حامية﴾ القارعة: 8- 11 . ونار جهنم ليست مثل نار الدنيا بل تختلف
عنها لقول الرسول ³(ناركم هذه التي توقدون جزء واحد من سبعين جزءًا من
حرِّ جهنم، قالوا: والله إن كانت لكافيةً يا رسول الله، قال: فإنها فضلت
بتسعة وستين جزءًا كلهنّ مثل حرِّها ) رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة
وقال: حديث حسن صحيح.
جهنم في التصورات الأخرى
لم تكن جهنم ـ في
الديانات الأخرى ـ بهذا التصور الذي صوره القرآن، أي لم يكن الحديث عنها
مباشرًا صريحًا، لكن مفهوم جهنم لا يتعدى أن يكون الدار التي أعدها الله
للكافرين أو المسكن الأبدي ـ كما عند النصارى ـ الذي سيأوي إليه الخاطئون
من الناس تكفيرًا وتطهيرًا لذنوبهم أمام الرب. وجهنم في الأساطير المصرية
تعني ذهاب روح المتوفى إلى أحد إلاهات الموت والتي ترأس عددًا من القضاة
سموا بالقضاة الجهنميين الذين يحكمون عليه بالتنعيم أو العذاب، وغير ذلك من
الأساطير والخرافات القديمة خصوصًا عند الشعوب التي كانت تعصي أنبياءها
ولا يؤمنون أصلا بالجنة أو بالنار.
ولقد وردت كلمة جهنم في العهد الجديد وتوصف في كتب أخرى بصورة تكاد تكون شبيهة بالإسلام من غير تفصيل.
أما
الأنبياء والرسل في العهود القديمة فكانوا ولا شك ـ بحكم نبوتهم ـ يؤمنون
بالجنة والنار ويعرفون مصير المشركين ويؤمن معهم متبعوهم. يقول القرآن
الكريم على لسان مؤمن آل فرعون ﴿وياقوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني
إلى النار ¦تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ماليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى
العزيز الغفار﴾ غافر: 41، 42 . والقرآن الكريم حافل بهذه الآيات الدالة على
ذلك. ومثلما تغنى الأدباء والشعراء بالجنة فإنهم أيضًا أكثروا من تصوراتهم
للنار وللجحيم والعذاب، وأبرز مثال على ذلك رسالة الغفران لأبي العلاء
المعري، والكوميديا الإلهية لدانتي التي تأثر فيها بالأثار الإسلامية
وخصوصًا رسالة الغفران. وقد حاول المعري ودانتي عقد محاكمة فورية لأدباء
عصرهم وأعمالهم في صورة هزلية كوميدية. وما زال مفهوم النار عبر العصور
يتأرجح بين كونه مكانًا خرافيًا للعذاب أو مجرد شبح شرير تسبح فيه أرواح
الموتى أو عدم الإيمان به أصلاً لعدم الإيمان بالبعث حتى جاء القرآن الكريم
وأبطل هذه المفاهيم.
وعمومًَا فإن النار ـ في التصور القرآني ـ لا
يدخلها إلا من أصر على الكفر وظل في شركه وضلاله، والحق تبارك وتعالى فتح
باب التوبة والرجوع إليه حتى ولو كانت ذنوبه تملأ الأرض شريطة أن تكون توبة
نصوحًا خالصة لوجهه الكريم لا يرتد صاحبها بعدها، فاللّهم أجرنا من
النّار.