بَابُ جَامِعِ الدَّعَوَاتِ
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ
رَبِيعَةَ بنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّّهِ صَلَّى اللَّّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: »أَلِظُّوا
بِيَاذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ«. أَيِ الْزَمُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ
وَأَكْثِرُوا مِنْهَا. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَذُو
الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ أَيْ أَنَّ اللَّّهَ مُسْتَحِقٌّ أَنْ يُجَلَّ
فَلاَ يُجْحَدَ وَلاَ يُكْفَرَ بِهِ وَهُوَ الْمُكْرِمُ أَهْلَ وِلاَيَتِهِ
بِالْفَوْزِ وَالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ تَعَالَى:
﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ﴾ [سُورَةَ
الرَّحْمنِ].
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّّهُ
عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِرَجُلٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، فَقَالَ:
»قَدِ اسْتُجِيبَ لَكَ فَسَلْ«.
وَرَوَى النَّسَائِيُّ
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّّهُ عَنْهُ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّّهِ صَلَّى اللَّّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو: »يَا
حَيُّ يَا قَيُّومُ«. الْقَيُّومُ أَيِ الدَّائِمُ، الْقَيَّامُ
بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ، وَقِيلَ الدَّائِمُ الَّذِي لاَ يَزُولُ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ
رَضِيَ اللَّّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »اللَّّهُمَّ ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ«. اللَّّهُمَّ
ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً أَيْ عَمَلاً صَالِحًا وَفِي الآخِرَةِ
حَسَنَةً أَيِ ارْزُقْنَا الْجَنَّةَ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: »اللَّّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ
الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى«. التَّعَفُّفُ هُوَ
التَّنَزُّهُ عَنِ السُّؤَالِ وَالْغِنَى هُنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ
غِنَى النَّفْسِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ طَارِقِ بنِ أَشْيَمَ
الأَشْجَعِيِّ رَضِيَ اللَّّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا
أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الصَّلاَةَ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ:
»اللَّّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي
وَارْزُقْنِي«.
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّّهِ بنِ
عَمْرِو بنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّّهِ صَلَّى اللَّّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »اللَّّهُمَّ يَا مُصَرِّفَ
الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ«.
وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّّهُ
عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ
يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: »اللَّّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي
وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي،
اللَّّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ
ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ
وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أََنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي،
أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ
قَدِيرٌ«. الْمُقَدِّمُ وَالْمُؤَخِّرُ هُوَ الْمُنْزِلُ لِلأَشْيَاءِ
مَنَازِلَهَا، يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ مِنْهَا وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ
بِحِكْمَتِهِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ
رَسُولَ اللَّّهِ صَلَّى اللَّّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »أَنْتَ
الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ«.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّّهِ صَلَّى اللَّّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »قُلِ اللَّّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي«، وَفِي
رِوَايَةٍ: »اللَّّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ«.
السَّدَادُ بِالْفَتْحِ الصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّّهُ عَنْهُ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
»اللَّّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي،
وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي
ءَاخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي
فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ«.
الْعِصْمَةُ الْمَنْعُ وَالْعِصْمَةُ الْحِفْظُ.
وَرَوَى أَبُو
دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّّهُ
عَنْهُ أَنْ رَسُولَ اللَّّهِ صَلَّى اللَّّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ
رَجُلاً يَقُولُ: اللَّّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ
أَنْتَ اللَّّهُ لآ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ:
»لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّّهَ تَعَالَى بِالاِسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ
أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ أَجَابَ«. وَفِي رِوَايَةٍ: »لَقَدْ سَأَلْتَ
اللَّّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ«.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّّهِ
صَلَّى اللَّّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: »اللَّّهُمَّ لَكَ
أَسْلَمْتُ، وَبِكَ ءَامَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ
أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللَّّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لآ
إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لاَ
يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ«. أَنَبْتُ أيْ رَجَعْتُ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ
اللَّّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّّهِ صَلَّى اللَّّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: »دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا رَبَّهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ
الْحُوتِ: لآ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَىْءٍ
قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ لَهُ«. ذُو النُّونِ هُوَ سَيِّدُنَا يُونُسُ بنُ
مَتَّى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَذَا ٱلنُّونِ إِذْ ذَهَبَ
مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي ٱلظُّلُمَاتِ
أَنْ لآ إِلَـٰهَ إِلآَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ
ٱلظَّالِمِينَ﴾. [سُورَةَ الأَنْبِيَاءِ]. وَمَعْنَى فَظَنَّ أَنْ لَنْ
نَقْدِرَ عَلَيْهِ أَيْ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْهِ.
وَرَوَى ابْنُ مَاجَه وَأَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّّهُ عَنْهَا
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا:
»قُولِي: اللَّّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ
وَءَاجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ
الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَءَاجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ
أَعْلَمْ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ شَّرِّ
ما عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ
أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ
قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ
لِي خَيْرًا«. وَالْقَضَاءُ مَعْنَاهُ الْخَلْقُ وَلَيْسَ قَضَاءُ اللَّّهِ
تَعَالَى حَادِثًا وَإِنَّمَا نَقُولُ تَخْلِيقُ اللَّّهِ أَزَلِيٌّ
وَالْمَخْلُوقُ حَادِثٌ.