بقلم: أ.د. محمد بن سعد بن حسين
فقد كنت قوّام الليالي تهجدا *** وقد كنت صوّاما تعاف الذي حبوا
وكنت مناراً يهتدى بضيائه *** مريد سبيل الرشد أو تكشف الحجب
درس وإفتاء وحكمة ناصح *** عليم بما ينجي إذا إحلو لك الخطب
وكنت ملاذ بعد ربك للذي *** رماه من الأيام صارمها العضب
وكنت لأهل العلم ظلاّ وروضة *** ينابيعها من دونها المنهل العذب
وكنت مثالاً في التواضع والتقى *** وكنت جواداً دون راحاته السحب
نهضت بأعباء ينوء بحملها *** ألو العزم ، إلا الرسل والسادة الصحب
ألنت لكل الناس جانب ماجد *** حفي بهم كالخل لا بل هو الأب
فلما قضى المولى وكل ابن حرة *** على آلة حدباء موئلة الترب
تقبلتها مستبشراً غير نادم *** وخلفتنا نبكي ، وقد هدنا الرعب
فماذا عسى أن ينفع الدمع والشجى *** وقد غاب عنّا العالم الفذُّ والقطب
مضى فعقول العالمين ذواهل *** بما قد دها الإسلام فاستحكم الشعب
فغارت بشاشات وأظلم مجلس *** أضاء بنور الباز حتى دها الخطب
كذا سنة المولى ، اجتماع وفرقة *** فلله ما يؤوي ولله ما يحبو
رضينا بحكم الله فينا تعبداً *** وأمالنا موصولة ، والمنى خصب
وما أجدبت يوماً من العلم روضة *** على ساحها نور الإمامين ينصب
لقد كان سماحة شيخنا الجليل عبد العزيز بن باز رحمه الله على ما يفوق بسط
المقال في علمه وفي سماحة خلقه ، بل في كل أحواله ، أي إنه كان مثالاً يندر
أن يتكرر .
فلقد كان عصامياً كوّن نفسه بنفسه ، وشق طريقه في الحياة بلا معين سوى رب العالمين . وكفى به سبحانه وتعالى معينا .
ولما كان إخواننا العلماء قد تحدثوا عنه –رحمه الله- وسوف يتحدثون ، فإني
سأقف حديثي في نقطتين صغيرتين ، كنت فيهما من المستفيدين استفادة مباشرة ،
الأولى متصلة بكتاب ((الفوائد الجلية)) هذا الذي ألفه وهو في التاسعة
والعشرين من العمر ، وهذا دليل على نبوغه المبكر رحمه الله .
وحين التحقت بحلقة شيخنا عبد اللطيف بن إبراهيم رحمه الله وجزاه عنا وعن
العلم خير الجزاء . أمرني رحمه الله بحفظ هذا الكتاب إلى جانب متن ((
الرحبية )) وتهميش الشيخ عبد الرحمن ابن قاسم عليه ، وحين استزدته أعطاني
(( العذب الفائض)) وما تزال هذه كلها عندي .
أما النقطة الثانية ، فكانت وأنا في كلية اللغة العربية طالباً حيث كان –
رحمه الله – أعني الشيخ عبد العزيز بن باز ، يحضر نادينا الأدبي الذي كنا
نقيمه كل ليلة جمعة ، فكان – رحمه الله – يحضر ذلك النادي ويعلق على ما
يلقى ، موجهاً ومرشداً ، ومن قبل النادي نعمنا بالتتلمذ على سماحته حين كنا
في المعهد طلاباً .
في ذلك النادي ألقيت في عام 1378هـ رباعيات ، كنت مواظباً على إلقائها كل
لية جمعة فجاء في إحداها قولي (( طارت الروح إلى أرض الخلود )) فلما نهض –
رحمه الله – للتعليق قال : (( إن مثل هذا حكم مسبق . وهذا ليس إلا لله ))
فطلبت التعليق وقلت : (( يا شيخي ألا يحمل هذا على التفاؤل الذي يحبه النبي
صلى الله عليه وسلم )) فقال : (( أما على هذا فلا حرج )) وهناك مواقف أخرى
مشابهة ، وغير مشابهة أثبتها فيما سميته (( من حياتي )) وربما كان لها
حديث آخر .