قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
: ( وأما حديث معاذ فمن أفراد مسلم , رواه من حديث مالك , وزهير بن معاوية
, وقرة بن خالد : وهذا لفظ مالك , عن أبي ال*****ر المكي , عن أبي الطُّفيل
عامر بن واثلة , أنَّ معاذ بن جبل أخبرهم : " أنهم خرجوا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , في غزوة تبوك , فكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر , والمغرب والعشاء , فأخّر الصلاة
يوما , ثم خرج فصلى الظهر والعصر , ثم دخل , ثم خرج فصلى المغرب والعشاء "
قلت الجمع على ثلاث درجات :
أما إذا كان سائرا في وقت الأولى فإنما ينزل في وقت الثانية , فهذا هو
الجمع الذي ثبت في الصحيحين من حديث أنس وابن عمر , وهو نظير جمع مزدلفة .
وأما إذا كان وقت الثانية سائرا , أو راكبا , فجمع في وقت الأولى , فهذا
نظير الجمع بعرفة , وقد روي في السنن كما سنذكره إن شاء الله تعالى .
وأما إذا كان نازلا في وقتهما جميعا , نزولا مستمرا , فهذا ما علمت روي ما
يستدلُّ به عليه , إلا حديث معاذ هذا فإن ظاهره : أنه كان نازلا في خيمة في
السفر , وأنه أخّر الظهر , ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا , ثم دخل إلى
بيته , ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا .
فإن الدخول والخروج إنما يكون في المنزل , وأما السائر فلا يقال : دخل وخرج , بل : نزل وركب .
وتبوك هي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم , ولم يسافر بعدها إلا حجة الوداع , وما نُقِل أنه جمع فيها إلا : بعرفة ومزدلفة .
وأما منى فلم ينقل أحد أنه جمع هناك , بل نقلوا كلهم أنه كان يقصر الصلاة
هناك , ولا نقلوا أنه كان يؤخر الأولى إلى آخر وقتها , ولا يقدّم الثانية
إلى أوّل وقتها , وهذا دليل على : أنه كان يجمع أحيانا في السفر , وأحيانا لا يجمع , وهو الأغلب على أسفاره : أنه لم يكن يجمع بينهما .
[size=21]وهذا يبين أن الجمع ليس من سنة السفر ,
كالقصر بل يُفعل للحاجة سواءٌ كانت : في السفر أو الحضر , فإنه قد جمع أيضا
في الحضر لئلا يحرج أمته .
فالمسافر إذا احتاج إلى الجمع جمع , سواء كان ذلك :
لسيره وقت الثانية .
أو وقت الأولى وشقّ النزول عليه .
أو كان مع نزوله لحاجة أخرى : مثل أن يحتاج إلى النوم والاستراحة وقت الظهر
, ووقت العشاء , فينزل وقت الظهر وهو تعبان , سهران , جائع , محتاج إلى :
راحة وأكل ونوم , فيؤخر الظهر إلى وقت العصر , ثم يحتاج أن يقدم العشاء مع
المغرب , وينام بعد ذلك ليستيقظ نصف الليل لسفره , فهذا ونحوه يباح له
الجمع .
وأما النازل أياما في قرية أو مصرٍ , وهو في ذلك كأهل المصر : فهذا وإن كان
يقصر لأنه مسافر , فلا يجمع , كما أنه لا يصلي على الراحلة , ولا يصلي
بالتيمم , ولا يأكل الميتة , إذ هذه الأمور أُبيحت للحاجة , ولا حاجة به
إلى ذلك , بخلاف القصر فإنه سنة صلاة السفر . ) من مجموع الفتاوى [/size]
__________________
( لاحول ولا قوة إلا بالله ) قال شيخ الإسلام رحمه الله
: ( ..... هذه الكلمة هي كلمة استعانة , لا كلمة استرجاع . وكثير من الناس
يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع , ويقولها جزعا لا صبرا . )
الاستقامة ( 2 \ 81 )