منظومة في التصوف للعلامة عبد الرحمن بن سعيد الأخضري المغربي رحمه الله ، مجموعة الرسائل المنيرية
وهي منظومة طويلة نجتزئ منها هذه الأبيات:
يقول راجي رحمة المقتدر * المذنب العبد الذليل الأخضري
بحمد رب العالمين أبتدي * ثم صلاته على محمد
يا طالبا علا كمال قدسه * وقاصدا إلى علاج نفسه
إلى أن قال في معرض حديثه عن الصوفية
والرقص والصراخ والتصفيق * عمداً بذكر الله لا يليق
وإنما المطلوب في الأذكار * الذكر بالخشوع والوقار
فقد رأينا فرقةً إن ذكروا * تَبَدَّعوا وربما قد كفروا
وصنعوا في الذكر صنعاً منكراً * صعباً فجاهدهم جهاداً أكبرا
خلّوا من اسم الله حرف الهاء * فألحدوا في أعظم الأسماء
لقد أتوا والله شيئاً إدا * تخرمنه الشامخات هدا
والألف المحذوف قبل الهاء * قد أسقطوه وهو ذو إخفاء
وزعموا أن لهم أحوالا * وأنهم قد بلغوا الكمالا
والقوم لا يدرون ما الأحوال * فكونها لمثلهم محال
حاشا بساط القدس والكمال * تطؤه حوافر الجهال
والجاهلون كالحمير الموكفه * والعارفون سادة مشرفة
وقال بعض السادة المتبعة * في رجز يهجو به المبتدعة
ويذكرون الله بالتغيير * ويشطحون الشطح كالحمير
وينبحون النبح كالكلاب * طرقهم ليست على صواب
وليس فيهم من فتى مطيع * فلعنة الله على الجميع
قد ادَّعوا مراتباً جليلة * والشرع قد تجنبوا سبيله
قد نبذوا شرعة الرسول * والقوم قد حادوا عن السبيل
لم يدخلوا دائرة الحقيقة * كلا ولا دائرة الطريقة
لم يقتدوا بسيد الأنام * فخرجوا عن ملة الإسلام
لم يدخلوا دائرة الشريعة * وأولعوا ببدعٍ شنيعة
لم يعملوا بمقتضى الكتاب * وسنة الهادي إلى الصواب
قد ملكت قلوبهم أوهام * فالقوم إبليسٌ لهم إمام
كفاك في جميعهم خيانة * أن أخلطوا الدنى بالديانة
وانتهكوا محارم الشريعة * وسلكوا مسالك الخديعة
من كان في نيل الكمال راجيا * وعن شريعة الرسول نائيا
فإنه ملبَّسٌ مفتون * أو عقله مخبَّل مجنون
وقال بعض السادة الصّوفيَّة * مقالةً جليلةً صفيَّة
إذا رأيت رجلاً يطير * أو فوق ماء البحر قد يسير
ولم يقف عند حدود الشرع * فإنه مستدرجٌ وبدعي
والشرع ميزان الأمور كلها * وشاهد بفرعها وأصلها
يا صاح لا تعبأ بهؤلاء * ذوي الخنا والزور والأهواء
باؤا بسخطٍ وضلالٍ وقلى * لم يبلغوا مراتب المجد إلى
أن تنظر البهموت بالعرش يناط * أو يلج الجمل في سم الخياط
هذا زمانٌ كثرت فيه البدع * واضطربت عليه أمواج الخدع
والدين قد تهدمت أركانه * والزور طابَقَ الهوى دخانه
لم يبق من دين الهدى إلا اسمه * ولا من القرآن إلا رسمه
هيهات قد غاضت ينابيع الهدى * وفاض بحر الجهل والزيغ بدا
أين دعاة الدين أهل العلم * قد سلفوا والله قبل اليوم
وهاجت الطائفة الدجاجلة * السالكون للطريق الباطلة
وكثرت أهل الدعاوى الكاذبة * وصارت البدعة فيهم غالبة
فالقوم إذ زاغوا أزاغ الله * قلوبهم فانسلخوا وتاهوا
وجاء في الحديث عن خير الورى * لن يخرج الدجال أعني الأكبرا
حتى تقوم قبله دجاجلة * كل يلوذ بطريقٍ باطلة
إلى أن قال وهو يذكر الطرق السليمة فأطال فيها ولم نذكر منها سوى اليسير اليسير: فهذه طريقة الرجال * وآل أمرها إلى الزوال
وكثر الملبسون فيها * وصار ذو البدعة يدَّعيها
وآ أسفاً على الطريق السابله * أفسدها الطائفة الدجاجلة
قد أحدثوا طريقةً بدعية * وأفسدوا الطريقة الشرعية
يا عجباً لرافض الشريعة * ويدعي درجةً رفيعة
وكيف يرقى سلم الحقيقة * مخالفاً لسيد الخليقة
وا حسرتا على الطريق المستقيم * قد ادَّعاه كلُّ أفاكٍ أثيم
قد أشرفوا على كهوف الكفر * وستروا بدعتهم بالفقر
واتخذوا مشايخاً جهالا * لم يعرفوا الحرام والحلالا
فنفروهم من دعاة الدين * أولي التقى والعلم واليقين
فأعرضوا عن سبل الرحمن * واتبعوا مسالك الشيطان
وهدموا قواعد الإسلام * واعتبروا خرائف الأوهام
وعكسوا حقائق الأمور * ونصبوا حبائل الفجور
وجعلوا ملء البطون أصلهم * بنوا عليه أمرهم وسبلهم
بعداً لقومٍ ألحدوا في الدين * واشتغلوا بطاعة اللعين
وأولعوا بالإفك والتلبيس * تأسياً بشيخهم إبليس
وا أسفاه على حماة الدين * أولي الذكا والعم والتمكين
آه على طريقة الكمال * أفسدها طوائف الضلال .