حِلية البشر، أذكار وأوراد مع حركات الإعراب
مُقَدِّمَةٌ
بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
الْحَمْدُ
للهِ خَالِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، الْوَاحِدِ الْعَزِيزِ الْقَهَّارِ،
وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى
الْمُخْتَارِ وَعَلَى ءَالِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ، وَبَعْدُ فَهَذَا
مُؤَلَّفٌ أُلِّفَ لِتَعْلِيمِ الْمُسْلِمِ مَا يَنْبَغِي قَوْلُهُ مِنْ
بَعْضِ الأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ عَنِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ فَضْلَ الذِّكْرِ عَظِيمٌ فَقَدْ جَاءَ
فِي الْقُرْءَانِ الْكَريِمِ ءَايَاتٌ كَثِيرَةٌ تَحُثُّ عَلَيْهِ مِنْهَا
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ
وَالإِبْكَارِ﴾. [سُورَةَ ءَالِ عِمْرَانَ/41]، ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ
بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ [سُورَةَ الإِنْسَانِ/25]، ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللهَ
كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا
عَظِيمًا﴾. [سُورَةَ الأَحْزَابِ/35]، وَالأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا
كَثِيرَةٌ.
وَإِنَّنَا نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ عَمَلَنَا هَذَا مَقْبُولاً إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ.
بَابُ جَامِعِ الدَّعَوَاتِ
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ رَبِيعَةَ بنِ عَامِرٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَلِظُّوا بِيَاذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ". أَيِ
الْزَمُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ وَأَكْثِرُوا مِنْهَا. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ أَيْ أَنَّ اللهَ
مُسْتَحِقٌّ أَنْ يُجَلَّ فَلاَ يُجْحَدَ وَلاَ يُكْفَرَ بِهِ وَهُوَ
الْمُكْرِمُ أَهْلَ وِلاَيَتِهِ بِالْفَوْزِ وَالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ
وَالإِكْرَامِ﴾ [سُورَةَ الرَّحْمٰنِ].
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي
الأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ مُعَاذِ بنِ
جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَاذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ،
فَقَالَ: "قَدِ اسْتُجِيبَ لَكَ فَسَلْ".
وَرَوَى النَّسَائِيُّ
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو: "يَا حَيُّ
يَا قَيُّومُ". الْقَيُّومُ أَيِ الدَّائِمُ، الْقَيَّامُ بِتَدْبِيرِ
خَلْقِهِ، وَقِيلَ الدَّائِمُ الَّذِي لاَ يَزُولُ.
وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي
الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ". اللَّهُمَّ ءَاتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً أَيْ عَمَلاً صَالِحًا وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً أَيِ
ارْزُقْنَا الْجَنَّةَ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى
وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى". التَّعَفُّفُ هُوَ التَّنَزُّهُ عَنِ السُّؤَالِ
وَالْغِنَى هُنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ غِنَى النَّفْسِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ طَارِقِ بنِ أَشْيَمَ الأَشْجَعِيِّ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاَةَ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ
بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي
وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي".
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ
اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ يَا مُصَرِّفَ
الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ".
وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ
يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي
وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ
عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا
أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أََنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ
الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ".
الْمُقَدِّمُ وَالْمُؤَخِّرُ هُوَ الْمُنْزِلُ لِلأَشْيَاءِ مَنَازِلَهَا،
يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ مِنْهَا وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ،
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ
الْمُؤَخِّرُ".
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُلِ
اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي"، وَفِي رِوَايَةٍ: "اللَّهُمَّ إِنِّي
أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ". السَّدَادُ بِالْفَتْحِ الصَّوَابُ
مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ
أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ
لِي ءَاخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً
لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ".
الْعِصْمَةُ الْمَنْعُ وَالْعِصْمَةُ الْحِفْظُ.
وَرَوَى أَبُو
دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ أَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلاً
يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ
اللهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ
وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ: "لَقَدْ
سَأَلْتَ اللهَ تَعَالَى بِالاِسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى،
وَإِذَا دُعِيَ أَجَابَ". وَفِي رِوَايَةٍ: "لَقَدْ سَأَلْتَ اللهَ
بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ".
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ
ءَامَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ،
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ
تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ
يَمُوتُونَ". أَنَبْتُ أيْ رَجَعْتُ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ
وَغَيْرُهُ عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَعْوَةُ ذِي
النُّونِ إِذْ دَعَا رَبَّهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لاَ إِلهَ إِلاَّ
أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ
يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَىْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ لَهُ".
ذُو النُّونِ هُوَ سَيِّدُنَا يُونُسُ بنُ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلاَمُ،
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ
نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ
أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. [سُورَةَ
الأَنْبِيَاءِ]. وَمَعْنَى فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ أَيْ
فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْهِ.
وَرَوَى ابْنُ مَاجَه
وَأَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: "قُولِي: اللَّهُمَّ إِنِّي
أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَءَاجِلِهِ مَا عَلِمْتُ
مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ
عَاجِلِهِ وَءَاجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ،
وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ شَّرِّ ما عَاذَ بِهِ
عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ،
وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ
عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي
خَيْرًا". وَالْقَضَاءُ مَعْنَاهُ الْخَلْقُ وَلَيْسَ قَضَاءُ اللهِ
تَعَالَى حَادِثًا وَإِنَّمَا نَقُولُ تَخْلِيقُ اللهِ أَزَلِيٌّ
وَالْمَخْلُوقُ حَادِثٌ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدُّعَاءِ
قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾. [سُورَةَ غَافِر/60]. وَمَعْنَى هَذِهِ الآيَةِ أَطِيعُونِي أُثِبْكُمْ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، قَالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾. الآيَةَ". وَالْعِبَادَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
مَعْنَاهَا الْحَسَنَاتُ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ
أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي
الدُّعَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.
وَرَوَى ابْنُ
حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ
الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: "أَنْ تَمُوتَ
وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ".
وَرَوَى ابْنُ
مَاجَه وَأَحْمَدُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهِ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلاَ أُنْبِئُكُمْ
بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيٍْر لَكُمْ
مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ
تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ وَتَضْرِبُوا
أَعْنَاقَهُمْ"، قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: "ذِكْرُ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ". وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ اللهِ هُنَا الصَّلاَةُ.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ تَعَالَى إِلاَّ
حَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَتَغَشَّتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ
عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ
عِنْدَهُ". غَشَّى أَيْ غَطَّى وَالسَّكِينَةُ هِيَ الْوَقَارُ.
بَابٌ فِي فَضْلِ قَوْلِ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَاتَ
وَفِي قَلْبِهِ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ مُوقِنًا دَخَلَ الْجَنَّةَ".
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عُبَادَةَ بنِ
الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ
اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ
وَرَسُولُهُ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ
وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ
أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ". وَمَعْنَى
قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى
مَرْيَمَ" أَنَّ الْمَسِيحَ بِشَارَةُ اللهِ لِمَرْيَمَ فَإِنَّ الْمَلَكَ
جِبْرِيلَ بَشَّرَهَا بِهِ، قَالَ لَهَا أَنَا رَسُولٌ مِنَ اللهِ
لأُِعْطِيَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا أَيْ طَيِّبًا، وَقَوْلُهُ "وَرُوحٌ
مِنْهُ" مَعْنَاهُ أَنَّ رُوحَ الْمَسِيحِ رُوحٌ صَادِرَةٌ مِنَ اللهِ
خَلْقًا وَتَكْوِينًا، أَيْ رُوحُهُ رُوحٌ مُشَرَّفٌ كَريِمٌ عَلَى اللهِ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ
جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَفْضَلُ الْكَلاَمِ لاَ
إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَفْضَلُ الذِّكْرِ الْحَمْدُ للهِ". قَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
بَابٌ فِي فَضْلِ قَوْلِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ
رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَهُ
إِبْرَاهِيمُ: "مُرْ أُمَّتَكَ فَلْيُكْثِرُوا مِنْ غِرَاسِ الْجَنَّةِ
فَإِنَّ تُرْبَتَهَا طَيِّبَةٌ وَأَرْضَهَا وَاسِعَةٌ، قَالَ: "وَمَا
غِرَاسُ الْجَنَّةِ؟"، قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ"
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "يَا عَبْدَ
اللهِ بنَ قَيْسٍ، أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كُنُوزِ
الْجَنَّةِ، قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ". وَمَعْنَى
لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ: لاَ حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ
اللهِ إِلاَّ بِعِصْمَةِ اللهِ وَلاَ قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ إِلاَّ
بِعَوْنِ اللهِ.
بَابٌ فِي فَضْلِ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ
رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الْكَلاَمِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ؟ قَالَ: "مَا اصْطَفَاهُ اللهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ سُبْحَانَ
اللهِ وَبِحَمْدِهِ". مَعْنَاهُ بَعْدَ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، يَدُلُّ
عَلَى ذَلِكَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ: "أَحْسَنُ الْحَسَنَاتِ
لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ".
وَرَوَى النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ
الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالاَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ
وَجَلَّ اصْطَفَى مِنَ الْكَلاَمِ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ،
وَلاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ
سُبْحَانَ اللهِ كَتَبَ اللهُ تَعَالَى لَهُ عِشْرِينَ حَسَنَةً، وَإِذَا
قَالَ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا قَالَ اللهُ أَكْبَرُ
فَمِثْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كُتِبَتْ لَهُ ثَلاَثُونَ حَسَنَةً
وَحُطَّتْ عَنْهُ ثَلاَثُونَ سَيِّئَةً". وَحُطَّتْ عَنْهُ أَيْ نَزَلَتْ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾، أَيْ حُطَّ عَنَّا أَوْزَارَنَا
وَقِيلَ هِيَ كَلِمَةٌ أُمِرَ بِهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَوْ قَالُوهَا
لَحَطَّتْ أَوْزَارُهُمْ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ
سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ
خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ". الزَّبَدُ
بِفَتْحَتَيْنِ مِنَ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ كَالرَّغْوَةِ.
وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ
ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى ٱلرَّحْمٰنِ عَزَّ
وَجَلَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ".
وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ فِي الْيَوْمِ أَلْفَ حَسَنَةٍ،
قَالُوا: وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ؟، قَالَ: يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ
فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ وَيُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ سَيِّئَةٍ".
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْجَوَامِعِ مِنَ التَّسْبِيحِ
رَوَى مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَه وَغَيْرُهُمَا عَنْ جُوَيْرِيَةَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ
بِهَا حِينَ صَلَّى الْغَدَاةَ أَوْ بَعْدَمَا صَلَّى الْغَدَاةَ وَهِيَ
تَذْكُرُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى ارْتَفَعَ النَّهَارُ وَهِيَ كَذَلِكَ
فَقَالَ: "لَقَدْ قُلْتُ مُنْذُ قُمْتُ عِنْدَكِ كَلِمَاتٍ ثَلاَثَ
مَرَّاتٍ هُنَّ أَكْثَرُ أَوْ أَرْجَحُ أَوْ أَوْزَنُ مِمَّا قُلْتِ:
سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَى نَفْسِهِ،
سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ".
الْعَرْشُ أَكْبَرُ جِسْمٍ خَلَقَهُ اللهُ مِنْ حَيْثُ الْحَجْمُ خَلَقَهُ
اللهُ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَلَيْسَ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ لأَِنَّ
الْجُلُوسَ وَكُلَّ صِفَاتِ الْخَلْقِ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَى اللهِ. صَلَّى
الْغَدَاةَ أَيْ صَلَّى الصُّبْحَ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَى نَفْسِهِ أَيْ
كَمَا يُحِبُّ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ أَيْ تَسْبِيحًا بِقَدْرِ
وَزْنِ عَرْشِهِ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الاِسْتِغْفَارِ
رَوَى
النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ أَبِي مُوسَى
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ
فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ". قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
"إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ" تَرَقٍّ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ يَتَرَقَّى،
سَيِّدُنَا يَحْيَى أُوتِيَ النُّبُوَّةَ وَكَانَ صَغِيرًا قَالَ
تَعَالَى: ﴿وَءَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾. الْحُكْمُ أَيِ
النُّبُوَّةُ، قَالَ الشَّيْخُ الْعَبْدَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:
"الْمَغْفُورُ لَهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَغْفَرَ لَهُ عَلَى مَعْنَى رَفْعِ
الدَّرَجَاتِ".
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا
لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْمَجْلِسِ يَقُولُ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَتُبْ عَلَيَّ
إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ". بِقَدْرِ مِائَةِ مَرَّةٍ. التَّوَّابُ هُوَ
الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ كُلَّمَا تَكَرَّرَتْ.
وَرَوَى
النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ
الأَغَرِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ فَوَاللهِ
إِنِّي لأَتُوبُ إِلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ
مَرَّةٍ".
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ: اسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلاَثًا غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ
وَإِنْ كَانَ فَارًّا مِنَ الزَّحْفِ". فَارًّا مِنَ الزَّحْفِ أَيْ
هَارِبًا مِنَ صَفِّ الْقِتَالِ أَيْ بِلاَ عُذْرٍ.
وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ
وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ عَنْ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَيِّدُ
الاِسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ
إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى
عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا
صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي
فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَمَنْ
قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ
أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ
اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ
أَهْلِ الْجَنَّةِ". أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ أَيْ أُقِرُّ بِنِعْمَتِكَ.
بَابٌ فِي فَضْلِ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا﴾. [سُورَةَ الأَحْزَابِ/56]. الصَّلاَةُ مِنَ اللهِ عَلَى
النَّبِيِّ تَعْظِيمٌ وَرِفْعَةُ قَدْرٍ، وَالصَّلاَةُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ
دُعَاءٌ.
رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ
وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ
ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ". رَغِمَ أَنْفُ فُلاَنٍ فِي
الأَصْلِ مَعْنَاهُ جُعِلَ فِي الرَّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ،
وَالْمَقْصُودُ بِهِ هُنَا فَوَّتَ خَيْرًا كَثِيرًا.
وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ
وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ
وَأَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ
أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلاَّ رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى
أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ". مَعْنَاهُ وَقَدْ رُدَّتْ رُوحِي قَبْلَ
ذَلِكَ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ: "الأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ
فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ". رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ
وَالْبَزَّارُ وَغَيْرُهُمَا.
وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ
وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إِنَّ للهِ مَلاَئِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ يُبَلِّغُونِي عَنْ
أُمَّتِي السَّلاَمَ".
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ مَاجَه عَنْ أَوْسِ بنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ
أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ
فِيهِ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ". الْحَدِيثَ. مَعْنَاهُ
الْمَلاَئِكَةُ يَعْرِضُونَ عَلَيْهِ فُلاَنٌ صَلَّى عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ
اللهِ، بَعْضُ النَّاسِ الرَّسُولُ يَسْمَعُ صَلاَتَهُمْ وَسَلاَمَهُمْ
هُوَ بِأُذُنِهِ يَسْمَعُ وَبَعْضٌ تَعْرِضُهُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَيْهِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ
بِالْمِكْيَالِ الأَوْفَى إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ
فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ
أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا
صَلَّيْتَ عَلَى ءَالِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". وَاعْلَمُوا
أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ جُرِّبَتْ كَثِيرًا لِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ.
وَرَوَى الْحَافِظُ
السَّخَاوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: »مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عَصْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
ثَمَانِينَ مَرَّةً غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُ ثَمَانِينَ سَنَةً«. أَيْ لَوْ
كَانَتْ عِنْدَهُ.
بَابُ اسْتِحْبَابِ عَزيِمَةِ الْمَسْأَلَةِ لِلدَّاعِي إِذَا دَعَا
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ،
اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ،
لِيَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لاَ مُكْرِهَ
لَهُ". أَيْ لاَ يُكْرِهُ اللهَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ.
وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُسْتَجَابُ لأَِحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ
فَيَقُولَ: قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي".
بَابُ مَا يُرْجَى عَمَلُهُ لإِجَابَةِ الدُّعَاءِ
رَوَى مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ
طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ
الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ
الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾.
[سُورَةَ الْمُؤْمِنُونَ/51]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾. [سُورَةَ
الْبَقَرَةِ/ 172]. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ
أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبُّ يَا رَبُّ،
وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَكْسَبُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ
بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ". "طَيِّبٌ" مَعْنَاهُ
مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقْصِ وَالْعُيْوبِ، "لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا"
مَعْنَاهُ يُحِبُّ لِعَبْدِهِ فِعْلَ الْخَيْرِ كَأَكْلِ الْحَلاَلِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَاللهُ لاَ يَقْبَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ إِلاَّ مَا كَانَ
مِنَ الْحَلاَلِ خَالِصًا لِوَجْهِهِ. الشَّىءُ يَطِيبُ طِيبًا إِذَا كَانَ
لَذِيذًا أَوْ حَلاَلاً فَهُوَ طَيِّبٌ، هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ،
وَشَرْعًا الطَّيِّبَاتُ الْحَلاَلُ. "وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ" الْغِذَاءُ
مَا يُغْتَذَى بِهِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ إِلَى الْخَلاَءِ
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
دَخَلَ الْخَلاَءَ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ
وَالْخَبَائِثِ". الْخُبْثُ ذُكُورُ الشَّيَاطِينِ وَالْخَبَائِثُ إِنَاثُ
الشَّيَاطِينِ.
بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ
رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ
وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ
قَالَ: "غُفْرَانَكَ".
وَرَوى النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ
وَاللَّيْلَةِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّيَ
الأَذَى وَعَافَانِي"، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا،
وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا. رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَه فِي سُنَنِهِ. مَعْنَاهُ هَذَا الْخُرُوجُ الَّذِي لَوْ بَقِيَ فِي
الْجَوْفِ يُؤْذِينِي، أَحْمَدُهُ عَلَى أَنَّهُ أَخْرَجَ مِنِّي مَا لَوْ
بَقِيَ فِي جَوْفِي يُؤْذِينِي وَأَبْقَى عَلَيَّ الْعَافِيَةَ.
بَابُ مَا يَقُولُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْوُضُوءِ
رَوَى مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ
فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ
اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ
أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ".
إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ إِتْمَامُهُ. وَيُسْبِغُ يُتِمُّ.
بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى الْمَسْجِدِ
رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
قَالَ: رَقَدْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي صَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ وَقِرَاءَتِهِ الآيَاتِ مِنْ ءَاخِرِ سُورَةِ ءَالِ
عِمْرَانَ، قَالَ: فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَعْنِي الصُّبْحَ، فَخَرَجَ
إِلَى الصَّلاَةِ وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا،
وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي
بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا وَمِنْ أَمَامِي نُورًا،
وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللَّهُمَّ
أَعْطِنِي نُورًا". الْمَقْصُودُ بِالنُّورِ هُنَا النُّورُ
الْمَعْنَوِيُّ، أَيْ خَيْرًا فِي كُلِّ هَذِهِ الأَعْضَاءِ.
وَرَوَى
أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ مَاجَه فِي سُنَنِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ
فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الصَّلاَةِ
فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ
وَبِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا، فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلاَ بَطَرًا
وَلاَ رِيَاءً وَلاَ سُمْعَةً، خَرَجْتُ اتِّقَاءَ سَخَطِكَ وَابْتِغَاءَ
مَرْضَاتِكَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُنْقِذَنِي مِنَ النَّارِ، وَأَنْ تَغْفِرَ
لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَكَّلَ
اللهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ". قَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلاَنِيُّ فِي تَخْرِيجِ الأَذْكَارِ:
"هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ". الْبَطَرُ الأَشَرُ وَالْبَطَرُ شِدَّةُ الْمَرَحِ
أَيْ مِشْيَةُ التَّكَبُّرِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِمَّا
اسْتَدَلَّ بِهِ أَهْلُ الْحَقِّ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ
بِالصَّالِحِينَ فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ"، دَخَلَ فِي
كَلِمَةِ السَّائِلِينَ الأَنْبِيَاءُ وَالأَوْلِيَاءُ وَغَيْرُهُمْ.
بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا أَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ وَعِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَه وَغَيْرُهُمْ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ
أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ
افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ
إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ".
بَابُ الْقَوْلِ عِنْدَ الاِنْتِهَاءِ إِلَى الصَّفِّ
رَوَى النَّسَائِيُّ فِي السُّنَنِ وَعَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ،
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ
عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى الصَّفِّ
وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا فَقَالَ
حِينَ انْتَهَى إِلَى الصَّفِّ: "اللَّهُمَّ ءَاتِنِي أَفْضَلَ مَا تُؤْتِي
عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ". فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاَةَ قَالَ: "مَنِ الْمُتَكَلِّمُ"- يَعْنِي
ءَانِفًا- قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "إِذَا يُعْقَرُ
جَوَادُكَ وَتُسْتَشْهَدُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ". يُعْقَرُ
جَوَادُكَ أَيْ يُقْتَلُ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الأَذَانَ أَوِ الإِقَامَةَ
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا
يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ
الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ
لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ
سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَة".
وَرَوَى
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ
اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَسُولاً، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ".
رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا أَيْ أَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ اللهُ رَبِّي.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ
اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ
هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ، ءَاتِ
مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا
الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رَبَّ
هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ أَيِ الْكَامِلَةِ، وَالدَّعْوَةُ هُنَا
هِيَ الدَّعْوَةُ إِلَى الصَّلاَةِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي
سُنَنِهِ وَغَيْرُهُ عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثِنْتَانِ لاَ
تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ
يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا". وَعِنْدَ الْبَأْسِ أَيْ شِدَّةِ
الْقِتَالِ.
وَقَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
فِي كِتَابِ الأُمِّ: "وَقَدْ حَفِظْتُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ طَلَبَ
الإِجَابَةِ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ وَإِقَامَةِ الصَّلاَةِ". اهـ.
بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ اسْتِفْتَاحِ الصَّلاَةِ
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ
وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ
الصَّلاَةَ قَالَ: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلاَتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ
لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ
الْمَلِكُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ
ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِيَ
جَمِيعًا إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَاهْدِنِي
لأَِحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِي لأَِحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ،
وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ
أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ،
وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ
وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ". لِيُعْلَمْ أَنَّ
مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ
وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ جَمِيعَ
الْكَائِنَاتِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، نَفْعِهَا وَضُرِّهَا كُلَّهَا مِنَ
اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبِإِرَادَتِهِ وَتَقْدِيرِهِ، قَالَ اللهُ
تَعَالَى: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ﴾. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مِنْ
شَرِّ مَا خَلَقَ﴾. وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ" أَيْ أَنَّ الشَّرَّ لاَ
يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ. فَاللهُ لاَ يُحِبُّ الشَّرَّ مَعَ أَنَّهُ
شَاءَ وَقَدَّرَ حُصُولَهُ وَدَخَلَ فِي الْوُجُودِ بِخَلْقِ اللهِ.
وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مَعْنَاهُ
قَصَدْتُ بِعِبَادَتِي الْخَالِقَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ،
حَنِيفًا أَيْ مَائِلاً عَنِ الْبَاطِلِ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ الَّذِي
هُوَ الإِسْلاَمُ، النُّسُكُ هُوَ عَمَلُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمَا
يُذْبَحُ تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ مِنَ الذَّبِيحَةِ كَالأُضْحِيَّةِ،
وَمَحْيَايَ أَيْ حَيَاتِي، للهِ أَيْ مِلْكٌ للهِ وَخَلْقٌ لَهُ،
لَبَّيْكَ أَيْ لَكَ الطَّاعَةُ، أُطِيعُكَ طَاعَةً بَعْدَ طَاعَةٍ،
وَسَعْدَيْكَ أَيْ أُقِيمُ عَلَى طَاعَتِكَ. أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ أَيْ
وُجُودِي بِكَ وَنِهَايَتِي إِلَى لِقَاءِكَ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَبَّرَ فِي
الصَّلاَةِ سَكَتَ هُنَيْهَةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ
وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: "أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي
وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ،
اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ
مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ
وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ". يُقَالُ مَكَثَ هُنَيْهَةً أَيْ سَاعَةً
لَطِيفَةً، وَلُغَةً يُقَالُ نَقِيٌّ أَيْ نَظِيفٌ وَهُنَا أَيْ
نَظِّفْنِي، الدَّنَسُ بِفَتْحَتَيْنِ الْوَسَخُ، وَهَذَا تَعْبِيرٌ عَنِ
الذُّنُوبِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاَةَ قَالَ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
وَبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إِلهَ
غَيْرُكَ". مَعْنَى جَدُّكَ أَيْ عَظَمَتُكَ. تَبَارَكَ اسْمُكَ أَيْ
تَعَالَى أَوْ كَثُرَ خَيْرُكَ وَإِحْسَانُكَ.
بَابُ أَذْكَارِ الرُّكُوعِ
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَلِيِّ
بنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ،
وَبِكَ ءَامَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي
وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي". "وَمُخِّي" أَيِ السَّائِلُ دَاخِلَ
الْعَظْمِ، "وَعَصَبِي" أَيِ الْوَاحِدُ مِنْ أَطْنَابِ الْمَفَاصِلِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ
وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ:
"سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ". سُبُّوحٌ أَيْ
مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ سُوءٍ وَعَيْبٍ، وَقُدُّوسٌ الْبَلِيغُ فِي
النَّزَاهَةِ عَنِ النَّقَائِصِ.
بَابُ مَا يَقُولُهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَفِي اعْتِدَالِهِ
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَل